للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقولُه: "نجعلُه في قبورِنا"، أي: نسدُّ بِه خللَ الحجارةِ التي تُجْعَلُ على اللَّحدِ، وفي البيوتِ كذلكَ يجعلُ فيما بينَ الخشبِ على السقوفِ. وكلامُ العباسِ يحتملُ أنهُ شفاعةٌ إليه - صلى الله عليه وسلم -، ويحتملُ أنهُ اجتهادٌ منهُ لما عُلِمَ منْ أن العمومَ غالبهُ التخصيصُ، كأنهُ يقولُ هذا مما تدعُو إليه الحاجةُ، وقدْ عهدَ منَ الشرعيةِ عدمُ الحرجِ فقرَّرَ - صلى الله عليه وسلم - كلامَه. واستثناؤُه إما بوحيٍ أو اجتهادٍ منهُ - صلى الله عليه وسلم -.

[يحرم من المدينة ما يحرم من مكة]

١٣/ ٦٩٣ - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زيدِ بن عَاصِمٍ - رضي الله عنه - أن رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إنْ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَدَعَا لأَهْلِهَا، وَإنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ، وإنِّي دَعَوْتُ في صَاعِهَا وَمُدِّهَا بِمِثْلِ مَا دَعَا بِهِ إبْرَاهِيمُ لأهْلِ مَكَّة"، متَّفَقٌ عَلَيْهِ (١). [صحيح]

(وعن عبدِ اللهِ بن زيدِ بن عاصمٍ - رضي الله عنه - أن رسولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: إنَّ إبراهيمَ حرَّمَ مكةَ)، وفي روايةٍ: "إنَّ اللَّهَ حرَّمَ مكةَ". ولا منافاةَ، فالمرادُ أن اللَّهَ حكمَ بحرمتِها، وإبراهيمُ أظهرَ هذا الحكمَ على العبادِ، (ودَعَا لأهلِها) حيثُ قالَ: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ} (٢)، وغيرُها من الآيات، (وإني حرمتُ المدينةَ) هي عَلَمٌ بالغلبةِ لمدينتهِ - صلى الله عليه وسلم - التي هاجرَ إليها فلا يتبادرُ عندَ إطلاقِ لفظِها إلَّا هيَ، (كما حرَّمَ إبراهيمُ مكةَ، وإني دعوتُ في صاعِها ومُدِّها) أي: فيما يُكالُ بهما لأنَّهما مكيالانِ معروفانِ (بمثلِ ما دعا إبراهيمُ لأهلِ مكة. متفقٌ عليهِ).

المرادُ [من تحريم] (٣) مكةَ تأمينُ أهلِها منْ أنْ يقاتَلُوا، وتحريمِ منْ [يدخلها] (٤) لقولِه تعالَى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} (٥)، وتحريمِ صيدِها، وقطعِ شجرِها، وعضدِ شوكِها. والمرادُ منْ تحريمِ المدينةِ تحريمُ صيدِها وقطعُ شجرِها ولا يحدثُ فيها حدثٌ. وفي تحديدِ حرمِ المدينةِ خلافٌ وردَ تحديدُه بألفاظٍ كثيرةٍ، ورجَّحتْ روايةُ: "ما بَيْنَ لابَتَيْهَا" (٦) لتواردِ الرواةِ عليها.


(١) البخاري (٢١٢٩)، ومسلم (١٣٦٠).
(٢) سورة البقرة: الآية ١٢٦.
(٣) في النسخة (أ): "بتحريم".
(٤) في النسخة (أ): "دخلها".
(٥) سورة آل عمران: الآية ٩٧.
(٦) أخرجه البخاري (١٨٧٣)، ومسلم (١٣٧٢). من حديث أبي هريرة.