للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قالَ المصنفُ: "وقد حُكمَ بصحةِ جملةٍ من الأحاديثِ لا تبلغُ درجةَ هذا ولا تقاربُهُ"، قال الزُّرقاني في "شرحِ الموطأ" (١): "وهذا الحديثُ أصلٌ من أصولِ الإسلامِ، تلقَّتهُ الأمةُ بالقبولِ، وتداولهُ فقهاءُ الأمصار في جميع الأقطار، وفي سائر الأعصار، ورواهُ الأئمةُ الكبارُ". ثمَّ عدَّ مَنْ رواهُ ومَنْ صحَّحهُ.

والحديث وقعَ جوابًا عن سؤالٍ كما في "الموطأِ" أن أبا هريرةَ قال: "جاءَ رجلٌ". وفي مسندِ أحمد (٢): "من بني مُدْلجٍ"، وعندَ الطبراني (٣): "اسمه عبدُ الله"، إلى رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فقالَ: "يا رسولَ اللَّهِ إنَّا نركبُ البحرَ ونحملُ معنا القليلَ منَ الماءِ فإنْ توضَّأنا بهِ عطِشنا أفنتوضأُ بهِ؟ " - وفي لفظِ أبي داود (٤) - بماءِ البحرِ، فقالَ رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "هو الطهور .... " الحديث. فأفاد - صلى الله عليه وسلم - أن ماءَ البحرِ طاهرٌ مطهِّرٌ لا يخرجُ عن الطَّهُورية بحالٍ، إلَّا ما سيأتي من تخصيصِهِ بما إذا تغيَّرَ أحدُ أوصافِه.

[بعض فوائد الحديث]

ولم يجبه - صلى الله عليه وسلم - بقولِهِ: نعمْ معَ إفَادَتِها الغرضَ، بلْ أجابَ بهذا اللفظِ لِيُقْرِنَ الحُكْمَ بعلَّتِه، وهي الطَّهُوريةُ المتناهيةُ في بابها، وكأنَّ السائِلَ لما رأى ماءَ البحر خالفَ المياهَ بملُوحةِ طعمِهِ، ونَتْنِ ريحِهِ توهَّم، أنَّهُ غيرُ مرادٍ مِنْ قولهِ تعالى: {فَاغْسِلُوا} (٥) أي بالماء المعلوم إرادتُهُ من قولِهِ: فاغْسِلُوا، أو أنَّهُ لَمَّا عَرَفَ من قولِهِ تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} (٦) ظَنَّ اختصاصَهُ، فسألَ عنهُ فأفادَهُ - صلى الله عليه وسلم - الحكمَ، وزادهُ حكمًا لم يسألْ عنهُ وهو حِلُّ مَيْتَتِهِ، قال الرافعي (٧): "لَمَّا عَرَفَ - صلى الله عليه وسلم -


(١) (١/ ٥٣).
(٢) (٥/ ٣٦٥).
(٣) في "الكبير" كما في "مجمع الزوائد" (١/ ٢١٥) من حديث عبد الله المدلجي، وفيه عبدُ الجبار بنُ عُمرَ ضعَّفهُ البخاريُّ والنسائي ووثقهُ محمدُ بنُ سعدٍ.
(٤) في "السنن" (١/ ٦٤ رقم ٨٣).
(٥) سورة المائدة: الآية ٦.
(٦) سورة الفرقان: الآية ٤٨.
(٧) الرافعي: هو عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم الإمام العلامة: "أبو القاسم القزويني الرافعي".
صاحب الشرح المشهور كالعلم المنشور، وإليه يرجع عامة الفقهاء من أصحاب الشافعي، تفقَّه على والده وغيره، وسمعَ الحديث من جماعة.
وقال ابن الصلاح: "أظن أني لم أرَ في بلاد العجم مثلَه، كان ذا فنون، حسن السيرة، =