للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وفِي روايةٍ عَنْهُ موقوفةٍ أيضًا: "النعمةُ الظاهرةُ والباطنةُ هي لا إله إلا اللَّهُ"، أخرجَها عنه ابنُ جرير (١) وغير. وتَفْسِيرُهُما ما قالَهُ مُجاهدٌ: نعمةٌ ظاهرة هي لا إله إلا اللَّهُ على اللسانِ، وباطنةٌ قالَ: في القلب، أخرجَهَا سعيدُ بنُ منصورٍ وابنُ جريرٍ (٢). وفسَّرَهُمَا الشارحُ بما هو معروفٌ، ورَأيْنَا التفسيرَ المرفوعَ، وتفسيرَ السلفِ أولى بالاعتمادِ.

(قديمًا وَحَدِيثًا) منصوبان على أنَّهُمَا حالانِ مِنْ نِعَمِهِ ولم يؤنَثْ؛ لأنَّ الجمعَ لما أُضِيفَ صارَ للجنسِ فكأنَّهُ قال: على جنسِ نعمهِ. ويُحتَملُ النَّصْبُ على الظرفية، وأنَّهُمَا صفةٌ لزمانٍ محذوفٍ، أي: زمانًا قديمًا وحديثًا. والقديمُ ما تقدَّم زمنه على الزمن الحاضر، والحديث ما حضر منه، ونِعمُ الرب تعالى قديمة على عبدِه من حينِ نَفخ فيه الروح، ثم في كل آنٍ من آنات زمانِهِ؛ فهي مسبَغةٌ عليهِ في قديم زمنه وحديثهِ، وحالِ تكلُّمِهِ، ويُحتملُ أنْ يرادَ بقديم النعمِ التي أنعم الله بها على الآباءِ فإنها نِعمٌ على الأبناء، كما أمرَ اللَّهُ بني إسرائيلَ بذكر نعمه التي أنعمَ بها على آبائهم فقالَ: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} (٣). الآيات في مواضِعَ من القرآنِ أشارَ إليهِ الشارحُ رحمه اللهُ، إلا أنهُ قال: (يا بني إسرائيل اذكروا نعمة الله) الآية. والتلاوةُ نعمتي فكأنه سبق قلم، ويراد بالحديث ما أنعم الله به على عبدِه مِنْ حينِ نفخ فيه الروح، فهي حادثةٌ نظرًا إلى النعمةِ على الآباءِ.

[معنى الصلاة والسلام على رسول الله]

(وَالصَّلَاةُ) عطف اسميةٍ على اسميةٍ؛ وهل هما خبريَّتانِ أو إنشائيَّتانِ؟ فيه خلافٌ بينَ المحققينَ، والحقُّ أنهما خبريَّتان لفظًا يرادُ بها الإنشاءُ.

ولما كانت الكمالاتُ الدينيةُ والدنيويةُ، وما فيه صلاحُ المعاشِ والمعاد فائضةً من الجنابِ الأقدسِ على العباد بواسطَةِ هذا الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -، ناسَبَ


(١) عزاه السيوطي في "الدر المنثور" (٦/ ٥٢٦) إلى الفريابي، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
(٢) عزاه إليهما السيوطي في "الدر المنثور" (٦/ ٥٢٦).
(٣) سورة البقرة: الآية ٤٠.