للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

جمعُه وهوَ نازلٌ غيرُ مسافرٍ فلم ينقلْ ذلكَ عنهُ إلَّا بعرَفَةَ ومزدلفةَ لأجلِ اتصالِ الوقوفِ كما قالَ الشافعيُّ وشيخُنا، وجعلُه أبو حنيفةَ من تمامِ النُّسُكِ وأنهُ سبب. وقالَ أحمدُ ومالكٌ والشافعيُّ: إنَّ سببَ الجمعِ بعرفةَ ومزدلفةَ السفرُ، وهذا كلُّه في الجمع في السفرِ.

[حكم الجمع بين الصلاتين في الحضر]

وأما الجمعُ في الحضرِ، فقالَ الشارحُ بعدَ ذكرِ أدلةِ القائلينَ بجوازِهِ فيهِ: "إنهُ ذهبَ أكثرُ الأئمةِ إلى أنهُ لا يجوزُ الجمعُ في الحضرِ لما تقدمَ منَ الأحاديثِ المبيِّنةِ لأوقاتِ الصلواتِ، ولما تواترَ من محافظةِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - على أوقاتِها حتَّى قالَ ابنُ مسعودٍ (١): "ما رأيتُ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - صلَّى صلاةً لغيرِ ميقاتِها إلّا صلاتينِ جمعَ بينَ المغربِ والعشاء [- أي: بمزدلفة -] (٢) بجمعٍ، وصلَّى الفجرَ يومئذٍ قبلَ ميقاتِها"، وأمّا حديثُ ابن عباسٍ عندَ مسلمٍ (٣): "أنهُ جمعَ بينَ الظهرِ والعصرِ، والمغرب والعشاءِ بالمدينةِ من غيرِ خوفٍ ولا مطرٍ قيلَ لابنِ عباسٍ: ما أرادَ إلى ذلكَ؟ قالَ: أرادَ أنْ لا يحرجَ أمتَهُ"؛ فلا يصحُّ الاحتجاجُ بهِ لأنهُ غيرُ معينٍ لجمعِ التقديمِ والتأخيرِ كما هوَ ظاهرُ روايةِ مسلمٍ، وتعيينُ واحدٍ [منهما] (٤) تحكُّمٌ فوجبَ العدولُ عنهُ إلى ما هوَ واجبٌ منَ البقاءِ على العمومِ في حديثِ الأوقاتِ للمعذورِ وغيرهِ، وتخصيصُ المسافرِ لثبوتِ المخصِّص، وهذا هوَ الجوابُ الحاسمُ.

وأما ما يُرْوَى منَ الآثارِ عن الصحابةِ والتابعينَ فغيرُ حجةٍ، إذْ للاجتهادِ في ذلكَ مسرحٌ، وقد أوَّلَ بعضُهم حديثَ ابن عباسٍ بالجمعِ الصُّورِي، واستحسنُه القرطبيُّ، ورجَّحهُ، وجزمَ بهِ ابنُ الماجشونِ، والطحاويُّ وقوّاهُ ابنُ سيدِ الناسِ


(١) أخرجه البخاري (١٦٨٢)، ومسلم (٢٩٢/ ١٢٨٩)، وأبو داود (١٩٣٤)، والنسائي (١/ ٢٩١ - ٢٩٢ رقم ٦٠٨).
(٢) زيادة من (ب).
(٣) في "صحيحه" (١/ ٤٩٠ رقم ٥٠/ ٧٠٥).
(٤) في (ب): "منها".