للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لما أخرجهُ الشيخانِ (١) عن عمروِ بن دينارٍ - راوي الحديثِ - عن أبي الشعثاءِ قالَ: "قلتُ: يا أبا الشعثاءِ أظنهُ أخَّرَ الظهرَ وعَجَّلَ العصرَ، وأخّرَ المغربَ وعجلَ العِشاءَ، قال: وأنا أظنهُ". قالَ ابنُ سيدِ الناس: وراوي الحديثِ أدرى بالمرادِ منهُ من غيرهِ، وإنْ لم يجزمْ أبو الشعثاءِ بذلكَ.

وأقولُ إنَّما هو ظنٌّ منَ الراوي، والذي يقالُ فيهِ: "أدرى بما رَوَى"، إنما يجري في تفسيرهِ [للفظة] (٢) مثلًا، على أن في هذه الدعوى نظرًا، فإنَّ قولَهُ - صلى الله عليه وسلم -: "فربَّ حاملِ فقهٍ إلى مَنْ هوَ أفقهُ منهُ" (٣) يردُّ عمومَها، نعمْ يتعيَّنُ هذا التأويلُ فإنهُ صرَّحَ بِه النسائي في أصلِ حديثِ ابن عباسٍ (٤)، ولفظهُ: "صلّيتُ معَ رسولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بالمدينةِ ثمانيًا (٥) جمعًا، وسبعًا جمعًا، أخَّر الظهرَ وعجَّلَ العصرَ، وأخّرَ المغربَ وعجَّلَ العشاءَ".

والعجبُ منَ النوويِّ كيفَ ضعَّفَ هذا التأويلَ، وغفل عن متنِ الحديثِ المرويّ، والمطلقُ في روايةٍ يُحملُ على المقيَّدِ إذا كانَا في قصةٍ واحدةٍ كما في هذا، والقولُ بأنَّ قوله: "أرادَ أنْ لا يُحرجَ أمتَه" يُضعفُ هذا الجمعَ الصوريّ لوجودِ الجرحِ فيهِ - مدفوعٌ بأنَّ ذلكَ أيسرُ منَ التوقيتِ؛ إذْ يكفي للصلاتينِ تأهبٌ واحدٌ، وقصدٌ واحدٌ إلى المسجدِ، ووضوءٌ واحدٌ بحسبِ الأغلبِ بخلافِ الوقتينِ، فالحرجُ في هذا الجمعِ - لا شكَّ أخفُّ، وأمَّا قياسُ الحاضرِ على المسافرِ كما قيلَ فوهمٌ، لأنَّ العلةَ في الأصلِ هي السفرُ [وهو] (٦) غيرُ [موجودٍ] (٧) في الفرعِ وإلَّا لزمَ مثلُهُ في القصرِ والفطرِ"، انتهى.


(١) البخاري (١١٧٤)، ومسلم (٥٥/ ٧٠٥).
(٢) في (ب): "اللفظ".
(٣) وهو جزء من حديث صحيح.
أخرجه أحمد (٥/ ١٨٣)، وأبو داود (٣٦٦٠)، والترمذي (٢٦٥٦)، والدارمي (١/ ١٧٥)، وابن أبي عاصم في "السنة" رقم (٩٤)، والطحاوي في "مشكل الآثار" (٢/ ٢٣٢)، والطبراني (٤٨٩٠) و (٤٨٩١) من طرق بإسناد صحيح.
وأخرجه ابن ماجه (١/ ٨٤ رقم ٢٣٠)، والطبراني (٤٩٩٤ و ٤٩٢٥) من طريقين عن زيد بن ثابت.
(٤) أخرجه البخاري (٥٤٣)، ومسلم (٥٦/ ٧٠٥).
(٥) أي: من الركعات وسبعًا منها.
(٦) في (أ): "وهي".
(٧) في (أ): "موجودة".