للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وادَّعى مالكٌ أنهُ مما أجمعَ عليهِ الأئمةُ قديمًا وحديثًا، [وتعقبه] (١) ابنُ العربي بأنهُ لم [يقل به] (٢) منْ فقهاءِ الأمصارِ غيرُه وتبعَهُ عليهِ الليثُ. واحتجَّ مالكٌ بقصةِ بقرةِ بني إسرائيلَ فإنهُ أُحْيِيَ الرجلُ وأَخْبَرَ بقاتلِه (٣) وأُجِيْبَ بأنَّ ذلكَ معجزةٌ لِنَبيِّ وتصديقُها قطعيٌّ.

قلتُ: ولأنهُ أحياهُ اللهُ تعالى بعدَ موتِه [فعيَّنَ] (٤) قاتلَه فإذا أَحْيَا اللهُ مقتولًا بعدَ مَوْتِه وعيَّنَ قاتلَه قلْنا بهِ ولا يكونُ ذلكَ أبدًا. واحتجَّ أصحابُه بأنَّ القاتلَ يطلبُ غفلةَ الناسِ فلوْ لم يُقْبَلْ خبرُ المجروحِ أدَّى ذلكَ إلى [بطلانِ] (٥) الدماءِ غالبًا ولأنَّها حالةٌ يتحرَّى فيها المجروحُ الصدقَ ويتجنبُ الكذبَ والمعاصي ويتحرَّى التَّقْوَى والبرَّ فوجبَ قَبولُ قولِه، ولا يخْفَى ضعفُ هذهِ الاستدلالاتِ. وقدْ عدُّوا صورَ اللَّوْثِ مبسوطةً في كُتُبِهِمْ.

المسألةُ الثانيةُ: أنهُ بعدَ ثبوتِ ما ذكرَ مِنَ القتلِ وكلٌّ على أصْلِه تثبتُ دَعْوَى أولياءِ القتيلِ القسامةَ، فتثبتُ أحكامُه ومنها القصاصُ عندَ كمالِ شروطِها لقولِه في الحديثِ: "تستحقونَ قتيلَكم أو صاحبَكم بأيمانِ خمسينَ منْكمْ علَى رجلٍ منْهم فيدفعُ بِذِمَّتِه".

وقولُه: (دمَ صاحبِكم) في لفظِ مسلمٍ (٦): يُقْسِمُ خمسونَ منكمْ على رجلٍ منهم فيدفع بِذِمّتِهِ، وإنْ كانَ قولُه: "إما أنَّ يدُوا صاحبكم [الحديث] (٧) " يشعرُ بعدمِ القصاصِ، إلَّا أنَّ هذا التصريحَ في روايةِ مسلمٍ أَقْوى في القولِ بالقصاصِ وهذَا مذهبُ أهلِ المدينةِ، فإنْ كانتِ الدَّعْوى على واحدٍ معيَّنٍ ثبتَ القَوَدُ عليهِ وإن كانتْ على جماعةٍ حلفُوا وثبتتْ عليهمُ الديةُ عندَ الشافعيةِ، وفي قولٍ يجبُ عليهمُ القصاصُ والأولُ هو الصحيحُ عنهُ، فإنْ كانَ الوارثُ واحِدًا حلفَ خمسينَ يمينًا فإنَّ الأيمانَ لازمةٌ للورثةِ ذُكُورًا كانُوا أوْ إِنَاثًا عمْدًا كانَ [القتل] (٨) أو خَطأً، هذا مذهبُ الشافعيِّ.


(١) في (ب): "وردَه".
(٢) في (ب): "يقله".
(٣) أما ما احتجت به المالكية من قصة بقرة بني إسرائيل فضعيف لأن التصديق هنالك أسند إلى الفعل الخارق للعادة.
(٤) في (أ): "يعين".
(٥) في (ب): "إبطال".
(٦) في "صحيحه" رقم (٢/ ١٦٦٩).
(٧) زيادة من (ب).
(٨) زيادة من (أ).