للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"أما علمتَ أن الرجلَ كانَ إذا طَلَّقَ امرأتَه ثلاثًا قبلَ أنْ يدخلَ بها جعلُوها واحدة على عهدِ رسولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -"، الحديثَ. وبالقياسِ فإنهُ إذا قالَ أنتِ طالقٌ بانتْ منهُ بذلكَ فإذا أعادَ اللفظَ لم يصادفْ محلًا للطلاقِ فكانَ لغوًا. وأُجِيْبَ بما مرَّ منْ ثبوتِ ذلكَ في حقِّ المدخولةِ وغيرِها فمفهومُ حديثِ أبي داودَ لا يقاومُ عمومَ أحاديثِ ابن عباسٍ.

واعلمْ أن ظاهرَ الأحاديثِ أنهُ لا فرقَ بين أنْ يقولَ أنتِ طالقٌ ثلاثًا أو يكررُ هذا اللفظَ ثلاثًا، وفي كتبِ الفروعِ أقوالٌ وخلافٌ في التفرقةِ بينَ هذه الألفاظِ لم يستندْ إلى دليلٍ واضحٍ. وقدْ أطالَ الباحثونَ في الفروعِ في هذهِ المسألةِ الأقوالَ، وأطبقَ أهلُ المذاهبِ الأربعةِ على وقوعِ الثلاثِ [متتابعة] (١) لإمضاءِ عمرَ لها، واشتدَّ نكيرُهم على مَنْ خالفَ ذلكَ، وصارتْ هذهِ المسألةُ عَلَمًا عندَهم للرافضةِ والمخالفينَ، وعوقبَ ابن تيمية بسببِ الفُتيا بها، وطِيفَ بتلميذِه ابن القيمِ على جملٍ بسببِ الفتْوى بعدمِ وقوعِ الثلاثِ، ولا يخْفَى أن هذهِ محضُ عصبيةِ شديدةِ في مسألةٍ فروعية قد اختلفَ فيها سلفُ الأمةِ وخلفُها فلا نكيرَ على مَنْ ذهبَ إلى أي قولٍ منَ الأقوالِ المختلفِ فيها كما هوَ معروفٌ، وهاهُنا يتميزُ المنصفُ منْ غيرِه منْ فحولِ النظارِ والأتقياءِ منَ الرجالِ (٢).

[الجد والهزل في النكاح والطلاق والرجعة]

٦/ ١٠١٢ - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ثَلاثٌ جَدُهُنَّ جَدٌّ، وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ: النِّكَاحُ، وَالطلاقُ وَالرَّجْعَةُ"، رَوَاهُ الأَرْبَعَةُ إِلَّا النَّسَائِيُّ (٣) وَصَحّحَهُ الحاكِمُ (٤). [حسن]


(١) في (أ): "متابعة".
(٢) انظر إلى ما قاله ابن تيمية في "الفتاوى" (٣/ ١٦ - ١٧)، وما قاله ابن قيم الجوزية في "إغاثة اللهفان" (١/ ٢٨٣ - ٣٣١)، و"إعلام الموقعين" (٣/ ٣٠، ٤٠) و"زاد المعاد" (٥/ ٢٤١ - ٢٧١).
(٣) أبو داود رقم (٢١٩٤)، والترمذي رقم (١١٨٤)، وابن ماجه رقم (٢٠٣٩).
(٤) في "المستدرك" (٢/ ١٩٧ - ١٩٨) وقال: حديث صحيح الإسناد، وتعقبه الذهبي بقوله: عبد الرحمن بن حبيب بن أردك: فيه لين.
وخلاصة القول: أن الحديث حسن. انظر: "إرواء الغليل" رقم (١٨٢٦).