للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يأبى، ثم أُلزم من أحبائه بقَبوله؛ فقبل واستقرَّ قاضيًا للقضاةِ الشافعية في عهد الملك الأشرف برسباي، في المحرم من سنة (٨٢٧ هـ)، وقد تزايد ندمه على قَبوله القيام به؛ لعدم تمييز أرباب الدولة بين العلماء وغيرهم، ومبالغتهم في اللوم لرد إشاراتهم وإن لم تكن وفق الحق، والاحتياج إلى مداراة كبيرهم وصغيرهم بحيث لا يمكنه مع ذلك القيام بكل ما يرومونه على وجه العدل (١).

وقد تكرَّر صرفه عن القضاء - وعزَل نفسه أحيانًا - إلى أن صمَّم على الإقلاع عنه عقب صرفه في سنة (٨٥٢ هـ) بعد زيادة مدة قضائه على (٢١) سنة، لكثرة ما توالى عليه من المحن بسبب سيرته فيه، وصلابته في الحق، وترك المداهنة في دين الله.

في سنة وفاته التي اعتزل فيها القضاء انقطع في بيته، ولازم الاشتغال بالعلم والتصنيف.

[(٦) مكانته العلمية]

احتل الحافظ ابن حجر مكانة عظيمة في عصره، فقرأ عليه غالب علماء ذلك العهد، ورحل الناس إليه من سائر الأقطار.

شهد له أعيان العلماء آنئذٍ بالحفظ، والتفرُّد في معرفة الرجال واستحضارهم، ومعرفة العالي والنازل، وعلل الأحاديث. وصار هو المعوَّل عليه في هذا الشأن، واعتنى بتحصيل تصانيفه كثير من شيوخه وأقرانه، ومن دونهم، وكتبها أكابر العلماء وانتشرت في حياته، وتبجَّح الأعيان بلقائه، والأخذ عنه طبقة بعد طبقة، وألحق الأصاغر بالأكابر كما قال الشوكاني (٢).

وقال ابن العماد في ترجمته (٣): "شيخ الإسلام، عَلم الأعلام، أمير المؤمنين في الحديث، حافظ عصره" اهـ.

ووصفه الشوكاني بـ: "الحافظ الكبير الشهير، الإمام المنفرد بمعرفة الحديث وعلله في الأزمنة المتأخرة .. حتى صار إطلاق "الحافظ" عليه كلمة إجماع" (٤).


(١) انظر: "الضوء اللامع" (٢/ ٣٨)، و"البدر الطالع" (١/ ٩٢).
(٢) في: "البدر الطالع" (١/ ٩٢).
(٣) في: "شذرات الذهب" (٧/ ٢٧٠).
(٤) في: "البدر الطالع" (١/ ٨٧، ٨٨).