للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يطؤُها مالكُها ومَنْ لا يطؤُها، ولم يجعلِ الشارعُ مجرَّدَ الزِّنَى موجِبًا للفراقِ، إذْ لوْ كانَ موجبًا لهُ لوجبَ فراقُها في أولِ مرةٍ، بلْ لم يوجبَهُ إِلَّا في الثالثةِ على القولِ بوجوب فراقِها بالبيعِ كما قالَهُ داودُ وأتباعُه (١). وهذا الإيجابُ لا لمجردِ الزِّنَى بلْ لتكرُّره لِئَلا يظنُّ بالسيِّدِ الرِّضَا بذلكَ فيتصفُ بالصفةِ القبيحةِ، ويجري هذا الحكمُ في الزوجةِ أنهُ لا يجبُ طلاقُها وفراقها لأَجْلِ الزِّنَى بلْ إنَّ تكرَّرَ منْها وجبَ لما عرفتَ. قالُوا: وإنَّما أمرَ بَبْيعِها في الثالثةِ لِمَا ذكرْنا قريبًا ولما في ذلكَ منَ الوسيلةِ إلى تكثيرِ أولادِ الزِّنى. قالَ وحملَه بعضُهم علَى الوجوب ولا سلفَ لهُ منَ الأمةِ فلا [نشتغل] (٢) بهِ وقدْ ثبتَ النَّهْيُ عنْ إضاعةِ المالِ فكيفَ يجبُ بيعُ ما لَهُ قيمةٌ خطيرةٌ بالحقيرِ، انتَهى.

قلتُ: ولا يخْفَى أنَّ الظاهرَ معَ مَنْ قالَ بالوجوبِ ولم يأتِ القائلُ بالاستحبابِ بدليلٍ على عدمِ الإيجابِ. وقولُه: وقدْ ثبتَ النَّهْيُ عنْ إضاعةِ المالِ، قلْنا: وثبثَ هُنَا مخصِّصٌ لِذلِكَ النَّهْي وهوَ هذَا الأمرُ، وقدْ وقعَ الإجماعُ (٣) على جوازِ بيعِ الشيءِ الثمينِ بالشيءِ الحقيرِ إذا كانَ البائعُ عالمًا بهِ [وكذا] (٤) إذا كانَ جاهلًا عندَ الجمهورِ (٥).

وقولُه: ولما في ذلكَ منَ الوسيلةِ إلى تكثيرِ أولادِ الزِّنَى، فقالَ ليسَ في الأمرِ ببيعِها قطعٌ لذلكَ إذ لا ينقطعُ إلَّا بِتَرْكِهَا، وليسَ في بيعِها ما يصيِّرُها تاركةً لهُ، وقدْ قيلَ في وجْهِ الحكمِ في الأمرِ ببيعِها معَ أنهُ ليسَ منْ موانعِ الزِّنَى إنهُ جوازُ أنْ يستغني عندَ المشتري وتعلمَ بأنَّ إخراجَها منْ مُلْكِ السِّيدِ الأوَّلِ بسببِ الزِّنَى فتتركُه خشيةً منْ تنقُّلِهَا عندَ [المالك] (٦)، أوْ لأنهُ قدْ يعفُّها بالتسرِّي بها أو بتزويجها.

المسألةُ الرابعةُ: هلْ يجبُ على البائعِ أنْ يعرِّفَ المشتريَ بسببِ بَيْعِها لِئَلَّا


(١) "المجموع" أبو زكريا (٢٠/ ٣٨).
(٢) في (ب): "يشتغل".
(٣) "موسوعة الإجماع" أبو جيب (١/ ١٩١ رقم ١٢٧).
(٤) في (ب): "وكذلك".
(٥) انظر: "المحلَّى" (٩/ ٧٤ - ٨١ رقم ١٥٩٠).
(٦) في (ب): "الملاك".