للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الباقونَ، فكتبَ يَعْلَى - وهوَ يومئذٍ أميرٌ - بشأنِهم إلى عمرَ - رضي الله عنه - فكتبَ عمرَ بقتلِهم جميعًا وقالَ: واللهِ لو أنَّ أهلَ صنعاءَ اشتركُوا في قَتْلِه لقتلتُهم أجمعينَ".

وفي هذَا دليلٌ أنَّ رَأْيَ عمرَ - رضي الله عنه - أنهُ تقتلُ الجماعةُ بالواحدِ، وظاهرُه ولوْ لم يباشرْه كلُّ واحدٍ، ولِذَا قلْنا [سابقًا] (١) إنَّ فيهِ دليلًا لقولِ مالكِ والنخعيِّ، وقولُ عمرَ: لوْ تمالأَ - أي توافقَ - دليلٌ على ذلكَ.

وفي قَتْلِ الجماعةِ بالواحدِ مذاهبُ:

الأولُ: هذَا، وإليهِ ذهبَ جماهيرُ فقهاءِ الأمصارِ وهوَ مرويٌّ عنْ عليٍّ - رضي الله عنه - وغيرِه. وقدْ أخرجَ البخاريُّ (٢) "عنْ عليٍّ - رضي الله عنه - في رجليْنِ شَهِدَا على رجلٍ بالسَّرقةِ فَقَطَعَهُ عليٌّ - رضي الله عنه - ثمَّ أتياهُ بآخرَ فَقَالا: هذَا الذي سَرَقَ وأخطأْنا على الأوَّلِ فلم يجزْ شهادتَهما على الآخرِ وأغرمَهما ديةَ الأوَّلِ وقالَ: لو أعلمُ أَنَّكُما تعمَّدْتُما لقطعتُكما"، ولا فَرْقَ بينَ القصاص في النَّفْسِ والأطرافِ.

والثاني: للناصرِ والشافعيِّ وجماعةٍ وروايةٍ عنْ مالكٍ أنهُ يختارُ الورثةُ واحِدًا منَ الجماعةِ، وفي روايةٍ عنْ مالكٍ يُقْرَعُ بينَهم فمنْ خرجتْ عليهِ القرعةُ قُتِلَ، ويلزمُ الباقونَ الحصةَ منَ الديةِ، وحجَّتُهم أنَّ الكفاءة مُعْتَبَرَةٌ ولا تُقْتَلُ الجماعةُ بالواحدِ كما لا يُقْتَلُ الحرُّ بالعبدِ، وأُجِيْبَ بأنَّهم لم يقتلُوا لصفةٍ زائدةٍ في المقتولِ بلْ لأنَّ كلَّ واحدٍ منْهم قاتلٌ.

والثالثُ: لربيعةَ وداودَ أنهُ لا قصاصَ علَى الجماعةِ بل الديةَ رعايةً للمماثلةِ ولا وجْهَ لتخصيصِ بعضِهم.

[فهذه] (٣) أقوالُ العلماءِ في المسألةِ، والظاهرُ قولُ داودَ لأنهُ تعالَى أوجبَ القصاصَ وهوَ المماثلةُ وقدِ انتفتْ هنا، ثمَّ موجبُ القصاصِ هوَ الجنايةُ التي


(١) زيادة من (أ).
(٢) في "صحيحه" تعليقًا (١٢/ ٢٢٦). قلت: وأخرجه الدارقطني (٣/ ١٨٢ رقم ٢٩٤)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٨/ ٤١)، وعبد الرزاق في "المصنف" (١٠/ ٨٨ رقم ١٨٤٦١)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (٩/ ٤٠٨ - ٤٠٩).
(٣) في (ب): "هذه".