للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ما كانتْ على وجْهِ التبيينِ والتعليمِ فيما يلزمُ الحاجةُ إليهِ منْ أمرِ الدينِ، والآخرُ ما كانَ علَى طريقِ التعنُّتِ والتكلُّفِ، فأباحَ [الأمر] (١) الأولَ وأمرَ بهِ وأجابَ عنهُ فقالَ: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} (٢)، وقالَ: {فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} (٣)، وأجابَ تعالَى في الآياتِ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ} (٤)، {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} (٥) وغيرِها، وقالَ في النوع الآخَرِ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} (٦)، وقالَ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (٤٢) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (٤٣)} (٧)، فكلُّ ما كانَ منَ السؤالِ على هذا الوجْهِ فهوَ مكروه، فإذا وقعَ السكوتُ عنْ جوابِه فإنَّما هوَ زجْرٌ للسائلِ، فإذَا وقعَ الجوابُ فهوَ عقوبةٌ وتغليظٌ.

[يبدأ الرجل باللعان]

الثانية: في قولِه: فبدأَ بالرجلِ، ما يدلُّ على أنهُ يبدأُ بهِ وهوَ قياسُ الحكمِ الشرعيِّ؛ لأنهُ المدَّعي فيقدَّم وبهِ وقعتِ البداءةُ في الآيةِ، وقدْ وقعَ الإجماعُ على أن تقديْمَهُ سنةٌ. واختُلِفَ هلْ تجبُ البداءةُ بهِ أمْ لا؟ فذهبَ الجماهيرُ إلى وجوبِها لقولِه - صلى الله عليه وسلم - لهلالٍ: "البيِّنةُ وإلَّا حدٌّ في ظَهْرِكَ" (٨) فكانتِ البداءةُ بهِ لدفعِ الحدِّ عن الرجلِ، فلو بدأَ بالمرأةِ كانَ دافعًا لأمرٍ لم يثبتْ، وذهبَ أبو حنيفةَ إلى أنها تصحُّ البداءةُ بالمرأةِ؛ لأنَّ الآيةَ لم تدلَّ علَى لزومِ البداءةِ بالرجلِ لأنَّ العطْفَ فيها بالواوِ وهيَ لا تقتضي الترتيبَ. وأُجِيْبَ عنهُ بأنَّها وإنْ لم تقتضِ الترتيبَ فإنهُ تعالَى: لا يبدأُ إلَّا بما هوَ الأحقُّ في البداءةِ والأقدمُ في العنايةِ، وبيَّنَ فعلُه - صلى الله عليه وسلم - ذلكَ فهوَ مثلُ قولِه: "نبدأُ بما بدأَ اللَّهُ بهِ" (٩) في وجوبِ البداءةِ بالصَّفَا.


(١) في (ب): "النوع".
(٢) سورة النحل: الآية ٤٣.
(٣) سورة يونس: الآية ٩٤.
(٤) سورة البقرة: الآية ١٨٩.
(٥) سورة البقرة: الآية ٢٢٢.
(٦) سورة الإسراء: الآية ٨٥.
(٧) سورة النازعات: الآيتان ٤٢ - ٤٣.
(٨) وهو جزء من حديث أخرجه البخاري رقم (٤٧٤٧)، وأبو داود رقم (٢٢٥٤)، والترمذي رقم (٣١٧٩) وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. وابن ماجه رقم (٢٠٦٧)، والبيهقي (٧/ ٣٩٣ - ٣٩٤) من طريق هشام بن حسان، قال: حدثنا عكرمة عن ابن عباس.
(٩) وهو جزء من حديث جابر بن عبد اللهِ أخرجه مسلم رقم (١٢١٨)، وأبو داود رقم (١٩٠٥)، وابن ماجه رقم (٣٠٧٤)، ومالك (١/ ٣٧٢)، والدارمي (٢/ ٤٤ - ٤٩)، =