للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الوَطْءَ مانعٌ منَ الخيارِ وإليهِ ذهبت الحنابلةُ (١). واعلمْ أن هذَا الحديثَ جليلٌ قَدْ ذكرَهُ العلماءُ في مواضعَ منْ كُتُبِهِمْ في الزكاةِ وفي العتقِ وفي البيعِ وفي النكاحِ، وذكرَه البخاريُّ في البيع، وأطالَ المصنفُ (٢) في عدةِ ما استخْرَجَ منهُ منَ الفوائدِ حتَّى بلغتْ مائةَ واثنتينِ وعشرينَ فائدة، فنذكرُ ما لَهُ تعلُّق بالباب الذي نحنُ بصددِه.

منها: جوازُ بيع أحدِ الزوجينِ الرقيقينِ دونَ الآخرِ، وأَنَّ بيعَ الأمَةِ المزوَّجةِ لا يكونُ طلاقًا، وأن عِتْقَها لا يكونُ طَلَاقًا ولا فَسْخًا، وأنَّ للرقيقِ أنْ يسعَى في فكاكِ رَقْبَتهِ منَ الرقِّ، وأنَّ الكفاءةَ معتبرةٌ في الحرة.

قلتُ: قدْ أشارَ الحديثُ إلى سببِ تخييرِها وهوَ ملَّكَها نفسَها كما عرفتَ فلا يتمُّ هذا، وأنَّ اعتبارها يَسْقُطُ برضَا المرأةِ التي لا وليَّ لها، ومما ذُكرَ في قصةِ بريرةَ أنَّ زوْجَها كانَ يتبعُها في سككِ المدينةِ يتحدَّرُ دمعُه لِفَرْطِ مَحَبَّتِهِ لها، قَالُوا فَيُؤْخَذُ منهُ أنَّ الحبَّ يُذْهِبُ الحياءَ وأنهُ يُعْذَرُ مَنْ كانَ كذلكَ إذا كانَ بغيرِ اختيارٍ منهُ، فيعذرُ أهلُ المحبةِ في اللَّهِ إذا حصلَ لهمُ الوجْدُ عند سِمَاع ما يفهمونَ منهُ الإشارةَ إلى أحوالِهم حيثُ يُغْتَفَرُ منْهم ما لا يحصلُ عن اختيارٍ كالرقصِ (٣) ونحوِه.

قلت: لا يخْفَى أنَّ زوجَ بريرةَ بكى من فراقِ مُحبِّهِ، فمحبُّ اللهِ يبكي شَوْقًا إلى لقائِه وخَوْفًا منْ سَخَطِهِ ما كان يبكي رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عندَ سماعِ القرآنِ وكذلكَ أصحابُه ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانِ، وأما الرقْصُ والتصفيقُ فشأنُ أهلِ الفسقِ والخلاعةِ لا شأنُ مَنْ يحبُّ الله ويخشاه، فعجب لهذا المأخذِ الذي أخذُوه منَ الحديثِ وذكَرَهُ المصنفُ في "الفتحِ" ثم سردَ فيه غيرَ ما ذكرْنَاهُ وأبلغَ فوائدَه إلى العددِ الذي وصفْناه، وفي بعضِها خفاءٌ وتَكَلَّفٌ لا يليقُ بجميل كلام رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

[من أسلم وتحته أختان فارق إحداهما]

٥/ ٩٤٥ - وَعَنِ الضَّحّاكِ بن فَيْرُوزَ الدَّيْلَمِي عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنّي أَسْلَمْتُ وَتَحْتِي أُخْتَانِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:


(١) "المغني" لابن قدامة (١٠/ ٧١ - ٧٢ رقم ١١٨٤).
(٢) في "فتح الباري" (٩/ ٤١٠ - ٤١٦).
(٣) أقول: الرقص والتصفيق خفة ورعونة لا تليق بالمسلم المحب لربه.