للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عَنْ أُمّتِي مَا حَدَّثَتْ بهِ أَنفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَكَلَّمْ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (١). [صحيح]

(وعنْ أبي هريرةَ - رضي الله عنه - عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: إن الله تجاوزَ عنْ أمَّتِي ما حدَّثَتْ بهِ أنفسَها ما لم تعملْ أو تَكَلَّمْ. متفقٌ عليهِ)، ورواهُ ابنُ ماجْه (٢) منْ حديثِ أبي هريرةَ بلفظِ: "عما توسوسُ بهِ صدُورُها" بدلَ: "ما حدَّثتْ بهِ أنفسَها وزادَ في آخرهِ: "وما استُكْرِهُوا عليهِ". قالَ المصنفُ (٣): وأظنُّ الزيادةَ هذهِ مدرجةً كأنَّها دخلتْ على هشامِ بن عمارٍ منْ حديثٍ في حديثٍ.

والحديثُ دليل على أنهُ لا يقعُ الطلاقُ بحديثِ النفسِ وهوَ قولُ الجمهورِ، ورُوِيَ عن ابن سيرينَ والزهريِّ وروايةٌ عنْ مالكٍ بأنهُ إذا طلَّقَ في نفسهِ وقعَ الطلاقُ، وقوَّاهُ ابنُ العربي بأنَّ منِ اعتقدَ الكفرَ بقلبِهِ ومَنْ أصرَّ على المعصيةِ أثِمَ، وكذلكَ مَنْ قذفَ مسلِمًا بقلبه وكلُّ ذلكَ منْ أعمالِ القلبِ دونَ اللسانِ. ويجابُ عنهُ بأنَّ الحديثَ المذكورَ أَخبرَ عن اللَّهِ تعالَى بأنَّهُ لا يؤاخذُ الأمةَ بحديثِ نفسها، وأنهُ تعالَى قالَ: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (٤) وحديثُ النفسِ يخرجُ عن الوسعِ، نعمْ الاسترسالُ معَ النفسِ في باطلِ أحادِيثها يُصيِّرُ العبدَ عازمًا على الفعلِ فَيُخَافُ منهُ الوقوعُ فيما يحرُمُ فهوَ الذي ينبغي أنْ يُسَارعُ بقطعهِ إذا خطرَ، وأما احتجاجُ ابنُ العربيِّ بالكفرِ والرياءِ فلا يخْفَى أنَّهما منْ أعمالِ القلبِ فَهُما مخصوصانِ منَ الحديثِ على أن الاعتقادَ وقَصْدَ الرياءِ قدْ خَرَجَا عنْ حديثِ النفسِ، وأما المصرُّ على المعصيةِ فالإثمُ على عملِ المعصيةِ المتقدِّمِ على الإصرارِ فإنهُ دالٌّ على أنهُ لم يتبْ عنها. واستُدِلَّ بهِ على أن مَنْ كَتَبَ الطلاقَ طلقتِ امرأتهُ؛ لأنهُ عزمَ بقلبِه وعملَ بكتابِه وهوَ قولُ الجماهير، وشرطَ مالكٌ فيهِ الإشهادَ على ذلكَ وسيأتي:

[أعمال الخاطئ والناسي والمكره]

٩/ ١٠١٥ - وَعَن ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا عَن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:


(١) البخاري رقم (٥٢٦٩)، ومسلم (١/ ١١٦ - ١١٧ رقم ١٢٧).
قلت: وأخرجه أبو داود رقم (٢٢٠٩)، والترمذي رقم (١١٨٣)، وابن ماجه رقم (٢٠٤٤).
(٢) في "السنن" رقم (٢٠٤٤).
(٣) في "فتح الباري" (٥/ ١٦١).
(٤) سورة البقرة: الآية ٢٨٦.