للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أتحلفُونَ؟ (قالَ: فتحلفُ لكمْ يهودُ؟ قالُوا: ليسُوا مسلمينَ)، وفي لفظٍ قالُوا: لا نرضَى بأيمانِ اليهودِ. وفي لفظٍ (١): كيفَ نأخذُ بأيمانِ [قومٍ] (٢) كُفَّارٍ؟ (فَوَدَاهُ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - منْ عندِهِ فبعثَ إليهمْ مائةً ناقةٍ، قالَ سهلٌ: فلقدْ ركضتْني منْها ناقةٌ حمراءُ. متفقٌ عليهِ).

اعلمْ أنَّ هذا الحديثَ أصلٌ كبيرٌ في ثُبُوتِ القَسَامةِ عندَ القائلينَ بها وهم [الجمهور (٣)] (٤)، فإنَّهم أثبتُوها وبيَّنُوا أحكامَها؛ ونتكلَّمُ علَى مسائلَ:

الأُولَى: أنَّها لا تثبتُ القسامةُ بمجرَّدِ دَعوى القتلِ على المدَّعَى عليهمْ منْ دونِ شُبهةٍ إجْماعًا. وقدْ رُوِيَ عنِ الأوزاعيِّ وداودَ ثبوتُها منْ غيرِ شُبْهَةٍ ولا دليلَ لهمَا، وإنما اختلفَ العلماءُ في الشبهةِ التي [تثبتُ] (٥) بها [دعوى] (٦) القسامةُ، فمنْهم مَن جعلَ الشُّبهةَ اللَّوْثَ وهوَ كما في "النهايةِ" (٧) أنْ يشهدَ شاهدٌ واحدٌ علَى إقرارِ المقتولِ قبلَ أنْ يموتَ أنَّ فلانًا قَتَلَني، أو يَشْهَدَ شاهدانِ على عداوةٍ بينَهما أو تهديدٍ منهُ لهُ أو نحوِ ذلكَ، وهو منَ اللَّوثِ التلطُّخُ. ومنْهم مَنْ لم يشترطْ كالهادويةِ والحنفيةِ فإنَّهم قالُوا: وجودُ الميتِ وبهِ أثرُ القتلِ في محلٍّ يختصُّ بمحصورِيْنَ تثبتُ بهِ القسامةُ عندَهم، إذا لم يدَّع المدعِّي على غيرِهِم قالُوا: لأنَّ الأحاديثَ وردتْ في مِثْلِ هذهِ الحالة، وَرُدَّ بأَنَّ حديثَ البابِ أصحُّ ما وردَ، وفيهِ دليلٌ على اللَّوْثِ، وحقيقتُه شبهةٌ يغلبُ الظنُّ الحكمَ بها كما فصَّلَهُ في "النهاية" (٨)، وهي هُنَا العداوةُ، فلذا ذهبَ مالكٌ والشافعيُّ إلى أنهُ لا يثبتُ بَهذَا قَسَامةٌ إلَّا إذا كانَ بينَ المقتولِ والمدَّعَى عليهمْ عداوةٌ كما كانَ في قصةِ خيبرَ، قالُوا: فإنهُ قد يَقْتُلُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ ويلقيهِ في محلِّ طائفةٍ لِيُنْسبَ إليهمْ. وقدْ عدُّوا منْ صورِ اللَّوْثِ قولُ المقتولِ قبلَ وفاتهِ: قَتَلَنِي فلانٌ.

قالَ مالكٌ: إنهُ يقبلُ قولُه، وإنْ لم يكنْ بهِ أثرٌ يقولُ جَرَحَني ويذكرُ العمدَ،


(١) للبخاري في "صحيحه" رقم (٣١٧٣).
(٢) زيادة من (أ).
(٣) في (ب): "الجماهير".
(٤) انظر: "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" (٤/ ٣٥٩) بتحقيقنا.
(٥) في (أ): "يثبت".
(٦) زيادة من (ب).
(٧) وهي: "بداية المجتهد ونهاية المقتصد"، لابن رشد (٤/ ٣٦٧ - ٣٦٩).
(٨) وهي: "بداية المجتهد ونهاية المقتصد"، لابن رشد (٤/ ٣٦٧ - ٣٦٩).