للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أنَّ المستحي ينقطعُ بحيائهِ عنِ المعاصي فيصيرُ كالإيمانِ القاطعِ بينَه وبينَ المعاصي. وقالَ [ابن قتيبة] (١): معناهُ أنَّ الحياءَ يمنعُ صاحِبَه منِ ارتكابِ المعاصي كما يمنعُ الإيمانُ، فسُمِّيَ إيمانًا كما يُسَمَّى الشيءُ باسمِ ما قامَ مقامَه، والحياءُ مركَّبٌ منْ جُبْنٍ وعِفَّةٍ. وفي الحديثِ: "الحياءُ خيرٌ كلُّه، ولا يأتي إلا بخيرٍ" (٢). فإنْ قلت: الحياءُ قدْ يمنعُ صاحِبَه عنْ إنكارِ المنكرِ، وهوَ إخلالٌ ببعضِ ما يجبُ فلا يتمُّ عمومُ: "إنهُ لا يأتي إلا بخيرٍ".

قلتُ: قدْ أُجِيبَ عنهُ بأنَّ المرادَ منَ الحياءِ في الأحاديثِ الحياءُ الشرعيُّ، والحياءُ الذي ينشأُ عنهُ تركُ بعضِ ما يجبُ ليسَ حياءً شرعيًا بلْ هوَ عجزٌ ومهانةٌ، وإنَّما يُطْلَقُ عليهِ الحياءُ لمُشَابَهَتِه الحياءَ الشرعيَّ، وبجوابٍ آخرَ وهوَ أنّ مَنْ كانَ الحياءُ منْ خُلُقِه فالخيرُ عليهِ أغلبُ، أو أنهُ إذا كانَ الحياءُ من خُلُقِهِ كانَ الخيرُ فيهِ بالذاتِ فلا ينافيهِ حصولُ التقصيرِ في بعضِ الأحوالِ. قالَ القرطبيُّ في المفهمِ شرحُ مسلمٍ: وكانَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- قدْ جُمِعَ لهُ النوعانِ منَ الحياءِ المكتَسبِ والغريزيِّ، وكانَ في الغريزيِّ أشدَّ حياءً منَ العذراءِ في خِدْرِها، وكانَ في المكتسب في الذُّرْوَةِ العلْيا -صلى الله عليه وسلم-.

[إذا لم تستح فاصنع ما شئت]

٧/ ١٤٤٠ - وَعَنِ ابْن مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ ممَّا أدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَةِ الأُولَى: إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ"، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ (٣). [صحيح]

(وَعَنِ ابْن مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: إنَّ مِمَّا أدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الأُولَى: إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ). لفظُ الأُولى ليسَ في


(١) ذكره ابن حجر في "الفتح" (١/ ٧٤). في (أ): "القتيبي".
(٢) أخرجه البخاري رقم (٦١١٧)، ومسلم رقم (٦٠/ ٣٧)، من حديث عمران بن حصين.
(٣) في "صحيحه" رقم (٣٤٨٣).
قلت: وأخرجه ابن ماجه رقم (٤١٨٣)، وأبو داود رقم (٤٧٩٧)، وأحمد (٥/ ٢٧٣).