للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وعلى أهلِ الحُللِ مائتي حُلَّةٍ، وعلَى أهلِ القمحِ شيئًا لم يحفظْه محمدُ ابنُ إسحاقَ".

وهذا يدلُّ على تسهيلِ الأمرِ وأنهُ ليسَ يجبُ على مَنْ لزمتْه الديةُ إلَّا منَ النوعِ الذي يجدُه ويعتادُ التعاملَ بهِ في ناحيتِه، وللعلماءِ هُنا أقاويلُ مختلفةٌ، وما دلَّتْ عليهِ الأحاديثُ أولى بالاتباعِ، وهذهِ التقديراتُ الشرعيةُ كما عرفتَ. وقدِ استبدلَ النَّاسُ عُرْفًا في الدِّياتِ وهوَ تقديرُها بسبعمائةِ قرشٍ. ثمَّ إنَّهم يجمعونَ عرُوضًا يقطعُ فيها بزيادةٍ كثيرةٍ في أثمانِها فتكونُ الديةُ حقيقةً نصفَ الديةِ الشرعية، ولا أعرفُ لهذا وجْهًا شرعيًا فإنهُ أمرٌ صارَ مأنوسًا، ومَنْ لهُ الديةُ لا يعذرُ عنْ قبولِ ذلكَ حتَّى أنهُ صارَ منَ الأمثالِ: "قطعُ ديةٍ"، إذا قطعَ شيءٌ بثمنٍ لا يبلغُه.

المسألةُ الثالثةُ: قولُه: (وفي الأنفِ إذا أُوْعِبَ جدعُه)، أي استؤصلَ، وهوَ أنْ يقطعَ منَ العظمِ المنحدِرِ منْ مَجْمَعِ الحاجبينِ، فإنَّ فيها الديةَ، وهذَا حكمٌ مُجْمَعٌ عليهِ.

واعلم أنَّ الأنفَ مُرَكَّبٌ منْ أربعةِ أشياءَ: منْ قصبةٍ ومارنٍ وأرنبةٍ ورَوْثةٍ. فالقصبةُ هيَ العظْمُ المنحدرُ منْ مَجْمَعِ الحاجبينِ، والمارنُ هوَ الغضروفُ الذي يجمعُ المنخريْنِ، والرَّوْثةُ بالراءِ وبالمثلثةِ طرفُ الأنفِ. وفي "القاموسِ" (١): المارنُ الأنفُ أو طرفُه أوْ ما لانَ منهُ. واختُلِفَ إذا جَنَى على أحد هذهِ، فقيلَ: تلزمُ حكومةٌ عندَ الهادي، وذهبَ الناصرُ والفقهاءُ إلى أنَّ في المارِنِ ديةً لما رواهُ الشافعيُّ (٢) عنْ طاوسَ قالَ: عندَنا في كتابِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "في الأنفِ إذا قُطِعَ مارِنُه مائةٌ منَ الإبلِ قالَ الشافعيُّ: وهذَا أَبْيَنُ منْ حديثِ آلِ حزمٍ، وفي الرَّوْثةِ نصفُ دِية لما أخرجَهُ البيهقيُّ (٣) منْ حديثِ عمرِو بنِ [شعيبٍ عنْ أبيهِ عنْ جدِّهِ قالَ] (٤): "قَضَى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذا قُطِعَتْ ثُنْدُوةُ الأنفِ بنصفِ العقلِ خمسونَ منَ الإبلِ أوْ عَدْلُها منَ الورِقِ أوِ الذهبِ"، قالَ في "النهايةِ" (٥): الثُّنْدُوةُ هنَا روثةُ الأنفِ، وهيَ طرفُه [ومقَدَّمُه] (٦).


(١) "القاموس المحيط" (ص ١٥٩٢).
(٢) في "الأم" (٦/ ١٢٧).
(٣) في "السنن الكبرى" (٨/ ٨٨).
(٤) في (ب): "شعيب".
(٥) لابن الأثير: (١/ ٢٢٣).
(٦) في (أ): "ومتقدمه".