للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تُبردُ، أي يُبردُ منْ سنِّ الجاني بقدْرِ ما كُسِرَ منْ سنِّ المجني عليهِ، وقالَ بعضُهم: الحديثُ محمولٌ على القلْعِ وأنهُ أرادَ بقولِه كُسِرتْ قُلِعَتْ وهوَ بعيدٌ.

[لا قصاص في العظم دون السن لعدم إمكان المماثلة]

وأما العظمُ غيرُ السنِّ فقدْ قامَ الإجماعُ على أنهُ لا قصاصَ في العظْمِ الذي يخافُ منهُ ذهابُ النَّفْسِ، إذ لم تتأتَ فيهِ المماثلةُ بأنْ لا يوقفَ على قدرِ الذاهبِ. وقالَ الليثُ والشافعيُّ والحنفيةُ: لا قصاصَ في العظْمِ غيرِ السنِّ لأنَّ دونَ العظمِ حائلًا منْ جلدٍ ولحمٍ وعَصَبٍ فيتعذرُ معهُ المماثلةُ، فلوْ أمكنتْ لحكْمنَا بالقصاصِ، ولكنْ لا نَصِلُ إلى العظمِ حتَّى يناله ما دونَه مما لا يعرفُ قدرُه.

[المسألة] (١) الثانية: قولُه: (أَتُكْسَرُ ثنيةُ الربيِّعِ) ظاهرُ الاستفهامِ الإنكارُ وقدْ تؤول بأنهُ لم يردْ به رد الحكمَ والمعارضةَ وإنَّما أرادَ أنْ يؤكِّدَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - طلبَ الشفاعةِ منْهم وأكَّدَ طلبَهُ منَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بالقَسَمِ، وقيلَ: بلْ قالَه قبلَ أنْ يعلمَ أنَّ القصاصَ حَتْمٌ وظنَّ أنهُ يُخَيَّرُ بينَه وبينَ الديةِ أوِ العفوِ، ويرشدُ إليهِ قولُه في جوابهِ: (يا أنسُ كتابُ اللهِ القصاصُ)، وقيلَ: إنهُ لم يردِ الإنكارَ بلْ قالَه توقُّعًا ورجاءَ منْ فضلِ اللهِ أنْ يلهمَ الخصومَ الرضاءَ حتَّى يعفُوا أو يقبلُوا الأرشَ، وقدْ وقعَ الأمرُ على ما أرادَ. وفي إلهامِهِمُ العفوَ وفي تقريرِه - صلى الله عليه وسلم - على الحلفِ دليلٌ على أنهُ يجوزُ الحلفُ فيما يُظَنُّ وقوعَهُ.

المسألة الثالثة: قولُه - صلى الله عليه وسلم -: (كتابُ اللهِ القصاصُ) المشهورُ فيه الرفعُ على أنهُ مبتدأٌ وخبرٌ، ويجوزُ النصبُ في الأولِ على المصدرِ وفعلُه محذوفٌ، أي كتبَ [الله ذلك كتابًا] (٢)، وفي الثاني على أنهُ مفعولٌ للكتابِ أو الفعل المقدَّرِ، وَيحْتَمِلُ وجُوهًا أُخَرَ. قيلَ: أرادَ بالكتابِ الحكمَ، أي حكمَ اللهِ القصاصَ، وقيلَ: أشارَ إلى قولِه تعالَى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} (٣)، أوْ إلى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} (٤)، أوْ إلى: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} (٣).

وفي قولِه - صلى الله عليه وسلم -: (إنَّ منْ عبادِ اللهِ مَنْ لوْ أقْسَمَ، إلى آخرِهِ) تعجُّبٌ منهُ - صلى الله عليه وسلم -


(١) زيادة من (أ).
(٢) في (ب): "كتاب الله".
(٣) سورة المائدة: الآية ٤٥.
(٤) سورة النحل: الآية ١٢٦.