للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حديثَ أبي داودَ مضطربٌ مختلَفٌ فيهِ اختلافًا كثيرًا، قال البيهقي في "السنن" بعد ذكره أنه مختلف في إسناده قال: ومثله لا يُعارض به الأحاديث الصحيحة اهـ. وإنْ صحَّ حُمِلَ على الأكلِ منها عندَ الضرورة كما دَلَّ له قولُهُ: أصابتْنَا سَنةٌ، أي شِدةٌ وحاجةٌ.

قلت: وأما الاعتذار أنه أبيح ذلك للضرورة؛ فإنه لا يطابق التعليل بقوله: "إنما حرَّمتها من أجل جوَّال القرية"؛ فإنه يؤذن بأنها إذا لم تكن جلَّالة حلَّت مطلقًا فلا يتم الاعتذار بالضرورة. وذكرُ المصنف لهذينِ الحديثينِ في باب النجاساتِ وتعدادِها مبنيٌّ على أَنَّ التحريمَ مِنْ لازمِهِ التنجيسُ، وهو قولُ الأكثرِ، وفيهِ خلافٌ. والحقُّ أَنَّ الأصلَ في الأعيانِ الطَّهَارَةُ، وأَنَّ التحريمَ لا يلازِمُ النجاسَةَ؛ فإنَّ الحشيشةَ محرَّمةٌ طاهرَةٌ، وكذا المخدِّراتُ والسمومُ [القاتلَةُ] (١) لا دليلَ على نجاسَتِها.

[التحريم لازم للنجاسة دون العكس]

وأما النجاسَةُ فيلازِمُها التحريمُ، فكلُّ نَجِسٍ محرَّمٌ ولا عكْسَ، وذلكَ لأنَّ الحكمَ في النجاسَةِ هوَ المنعُ عَنْ ملابَسَتِها على كلِّ حالٍ، فالحكمُ بنجاسَةِ العينِ حكُمٌ بتحرِيمها بخلافِ الحكمِ بالتحريمِ. فإنَّهُ يحرُمُ لُبْسُ الحريرِ والذهبِ وهما طاهِرانِ ضرورةً شرعيةً وإجماعًا. فإذا عَرَفْتَ هذا، فتحريمُ الخَمْرِ والحُمُرِ الذي دلَّتْ عليهِ النصوصُ لا يلزمُ منهُ نجاستها، بَلْ لا بدَّ مِنْ دليلٍ آخَرَ عليهِ، وإلَّا بقينا على الأصلِ المتفق عليهِ مِنَ الطهارَةِ، فَمَنِ ادَّعى خلافَهُ فالدليلُ عليه، وكذا نقولُ: لا حاجَةَ إلى إتيانِ المصنفِ بحديثِ عمرِو بن خارجةَ مستدلًّا بهِ على طهارَةِ لُعَابِ الراحِلَةِ.

وأما الميتَةُ فلولا أنه ورَدَ: "دِباغُ الأديم طَهورُه" (٢)، و"أَيُّما إهابٍ دُبغَ فَقَدْ طَهُرَ" (٣)، لقلنا بطهارَتها؛ إِذ الوارِدُ في القرانِ تحريمُ أكلِها، لكنْ حكمنا بالنجاسَةِ لمَّا قامَ عليها دليل غيرُ دليلِ تحريمِها.


(١) في النسخة (ب): "المقاتلات".
(٢) تقدم تخريج الحديث (٣/ ١٦).
(٣) تقدم تخريج الحديث (٤/ ١٧).