للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأفادَ حديثُ البابِ حلَّها للعاملِ عليها وإنْ كانَ غنيًا؛ لأنهُ يأخذُ أجرَه على عملهِ لا لفقرِه، وكذلكَ من اشتراها بمالهِ فإنَّها قدْ وافقتْ مصرفَها، وصارتْ ملكًا لهُ، فإذَا باعَها فقدْ باعِ ما ليس بَزكاةِ حينَ البيعِ، بلْ ما هوُ مِلْكٌ لَهُ، وكذلكَ الغارمُ [تحل له] (١) وإنْ كان غنيًا، وكذلكَ الغازي يحلُّ لهُ أنْ يتجهَّزَ منَ الزكاةِ وإنْ كان غنيًا، لأنهُ ساعٍ في سبيلِ اللَّهِ. قالَ الشارحُ رحمهُ الله: ويلحقُ بهِ مَنْ كانَ قائمًا بمصلحةٍ عامةٍ مِنْ مَصَالِحِ المُسلمينَ كَالقَضَاءِ، وَالإفِتْاءِ، وَالتَّدرِيسِ، وَإنْ كَان غَنيًّا، وَأَدخَلَ أبُو عُبَيْدٍ مَنْ كانَ في مصلحةٍ عامةٍ في العاملين، وأشارَ إليه البخاريُّ حيثُ قالَ: (بابُ رزقِ الحاكمِ والعاملينَ عليها)، وأرادَ بالرزقِ ما يرزقُهُ الإمامُ منْ بيتِ المالِ لمنَ يقومُ بمصالحِ المسلمينَ، كالقضاءِ، والفُتيا، والتدريس، فلهُ الأخذُ منَ الزكاةِ فيما يقومُ به مدةَ القيامِ بالمصلحةِ، وإنْ كان غنيًا. قالَ الطبريُّ: إنهُ ذهبَ الجمهورُ إلى جوازِ أخذ القاضي الأجرةَ على الحكمِ؛ لأنهُ يشغلُه الحكمُ عن القيام بمصالحهِ. غيرَ أن طائفةً مِنَ السلفِ كرِهُوا ذلكَ ولمْ يحرِّموهُ. وقالتْ طائفةٌ: أخْذ الرزقِ على القضاءِ إنْ كانتْ جهةُ الأخذِ مِنَ الحلالِ كانَ جائزًا إجماعًا، ومَنْ تركهُ فإنَّما تركهُ تورُّعًا، وأما إذا كانتْ هناكَ شبهةٌ فالأَوْلى التركُ. ويحرمُ إذا كانَ المالُ يُؤْخَذُ لبيتِ المالِ منْ غيرِ وجههِ. واختُلِفَ إذا كانَ الغالبُ حرامًا. وأما الأخذُ من المتحاكمينَ ففي جوازهِ خلافٌ، ومَنْ جوَّزَهُ فقدْ شرَطَ لهُ شرائطَ، ويأتي ذكرُ ذلكَ في بابِ القضاءِ، وإنما لمَّا تعرَّضَ لهُ الشارحُ رحمهُ الله هنا تعرَّضْنا لهُ.

[[تحريم الصدقة على الغني]]

٢/ ٦٠٤ - وَعَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنْ رَجُلَيْنِ حَدَّثَاهُ أَنَّهُمَا أَتَيَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْأَلَانِهِ مِنَ الصَّدَقَةِ، فَقَلَّبَ فِيهِمَا النَّظَرَ، فَرَآهُمَا جَلْدَيْنِ، فَقَالَ: "إِنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا، وَلَا حَظَّ فِيهَا لِغَنيٍّ، وَلَا لِقَوِيِّ مُكْتَسِبٍ". رَوَاهُ أَحْمَدُ (٢)، وَقَوّاهُ أَبُو دَاوُدَ (٣)، وَالنَّسَائِيُّ (٤). [صحيح].


(١) زيادة من (ب).
(٢) في "المسند" (٤/ ٢٢٤).
(٣) في "السنن" (١٦٣٣).
(٤) في "السنن (٥/ ٩٩ - ١٠٠ رقم ٢٥٩٨). =