للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المضادَّ لذلكَ، فإنهُ أشبَه الرجوعَ في الهبةِ. وقدْ صحَّ (١) النَّهْيُ عنهُ.

وأخرجَ النَّسَائِي (٢) منْ حديثِ ابن عباسٍ رضي الله عنه يرفعُه: "العُمْرَى لمنْ أُعْمِرَها، والرُّقْبَى لمن أُرْقِبَها، والعائدُ في هِبَتِهِ كالعائدِ في قَيْئِهِ". وأما إذا صرَّحَ بالشرطِ كما في الحديثِ وقالَ: ما عشتَ؛ فإنَّها عاريةٌ مؤقتةٌ لا هبةٌ. ومرَّ حديثُ (٣): "العائدُ في هِبَتِهِ كالعائدِ في قيئهِ"، ومثلُه الحديثُ الآتي وهو:

[النهي عن شراء الهبة والهدية]

٧/ ٨٨٢ - وَعَنْ عُمَرَ قَالَ: حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبيلِ اللَّهِ، فَأَضَاعَهُ صَاحِبُه، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ بَائِعُهُ بِرِخَصٍ. فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: "لا تَبْتَعْهُ، وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ" الْحَدِيثَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (٤). [صحيح]

(وعنْ عمرَ - رضي الله عنه - قالَ: حَمَلْتُ على فرسٍ في سبيلِ اللَّهِ، فأضاعَهُ صاحبُهُ، فظننتُ أنهُ بائعهُ برِخَصٍ، فسألتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقالَ: لا تبتعْهُ وانْ أعطاكَه بدرهمٍ، [الحديثَ] (٥). متفقٌ عليهِ)، تمامهُ: "فإنَّ العائدَ في صدقتِه كالكلبِ يعودُ في قيئه". وقولُه: فأضاعَهُ، أي قَصَّرَ في مؤنتهِ وحسنِ القيامِ به. وقولُه: لا تبتعه، أي لا تشتره، وفي لفظٍ: ولا تعدْ في صدقتِكَ، فسمَّى الشراءَ عَوْدًا في الصدقةِ، قيلَ لأنَّ العادةَ جرتْ بالمسامحةِ في ذلكَ منَ البائعِ للمشتري، فأُطْلِقَ على القدْرِ الذي يقعُ بهِ التسامحُ رُجُوعًا، ويحتملُ أنهُ مبالغةٌ وأنَّ عَوْدَهَا إليهِ بالقيمةِ كالرجوعِ، وظاهرُ النَّهْي التحريمُ، وذهبَ إليه قومٌ (٦).

وقالَ الجمهورُ (٦): إنهُ للتنزيهِ. وتقدَّمَ أن الرجوعَ في الهبةِ محرَّمٌ، وأنهُ الأقْوى دليلًا إلَّا ما استُثْنِي.


(١) انظر الحديث رقم (٣/ ٨٧٨) من كتابنا هذا.
(٢) في "سننه" (٦/ ٢٦٩ رقم ٣٧١٠)، وصحَّحه الألباني في "صحيح النَّسَائِي" (٢/ ٧٨٩ رقم ٣٤٧١).
(٣) برقم (٢/ ٨٧٧)، وهو متفق عليه.
(٤) البخاري (٢٦٢٣)، ومسلم (١٦٢٠).
قلت: وأخرجه مالك في "الموطأ" (١/ ٢٨٢ رقم ٤٩)، والنسائي (٢٦١٥: ٢٦١٧)، وابن ماجه (٢٣٩٠، ٢٣٩٢).
(٥) زيادة من (ب).
(٦) انظر: "فتح الباري" (٥/ ٢٣٦ - ٢٣٧).