للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كانتْ ذات حشمٍ، والأدلةُ لا تدلُّ على ذلكَ. وأما أمرُه - صلى الله عليه وسلم - لهُ بالخروجِ معَ امرأتِهِ، فإنهُ أخذَ منهُ أحمدُ (١) أنهُ يجبُ خروجَ الزوجِ مع زوجتِهِ إلى الحجِّ إذا لم يكنْ معَهَا غيرُه، وغيرُ أحمدَ قالَ: لا يجبُ عليه، وحَمَلَ الأمرَ على الندبِ، قالَ: وإنْ كانَ لا يحملُ على النّدب إلا لقرينةٍ عليهِ، فالقرينةُ عليهِ ما علمَ منْ قواعدِ الدينِ أنهُ لا يجبُ على أحدٍ بذلُ منافعَ نفسِه لتحصيلِ غيرِه ما يجبُ عليهِ، وأخذَ منَ الحديثِ أنهُ ليسَ للرجلِ منعُ امرأتِه منْ حجِّ الفريضةِ لأنها عبادةٌ قدْ وجبتْ عليها، ولا طاعةَ لمخلوقٍ في معصيةِ الخالقِ، سواءٌ قلْنا إنهُ على الفورِ أو التراخي؛ أما الأولُ فظاهرٌ، قيلَ: وعلى الثاني أيضًا، فإنَّ لها أنْ تسارعَ إلى براءةِ ذمتها كما أن لها أن تصلي أولَ الوقتِ وليسَ له منعُها.

وأما ما أخرجه الدارقطنيُّ (٢) من حديثِ ابن عمرَ مرفوعًا في امرأةٍ لها زوجٌ ولها مالٌ ولا يؤذنُ لها في الحجِّ: "ليسَ لها أن تنطلقَ إلَّا بإذنِ زوجِها"؛ فإنهُ محمولٌ على حجِّ التطوعِ جمْعًا بينَ الحديثينِ على أنهُ: "ليسَ في حديثِ الكتابِ ما يدلُّ أنها خرجتْ منْ دونِ إذنَ زوجها. وقال ابنُ تيميةَ: إنهُ يصحُّ الحجُّ منَ المرأةِ بغيرِ محرمٍ ومنْ غيرِ المستطيعِ.

وحاصلُه أن مَنْ لم يجبْ عليهِ لعدمِ الاستطاعةِ مثلُ المريضِ، والفقيرِ، والمعضوبِ، والمقطوعِ طريقُه، والمرأةُ بغيرِ مَحْرَمٍ، [وغيرُ] (٣) ذلكَ، إذا تكلَّفُوا شهودَ المشاهِد أجزأَهم الحجُّ. ثمَّ منْهم مَنْ هوَ محسنٌ في ذلكَ كالذي يحجُّ ماشيًا، ومنهم من هو مسيءٌ في ذلكَ كالذي يحجُّ بالمسأَلةِ، والمرأةُ تحجُّ بغيرِ محرمٍ وإنما أجزأهم لأنَّ الأهليةَ تامةً، والمعصيةُ إنْ وقعتْ فهيَ في الطريقِ لا في نفسِ المقصودِ.

يبدأ أولًا بالحجِّ عن نفسه

١١/ ٦٧٥ - وَعَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: لَبّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ، قَالَ: "مَنْ شُبْرُمَةُ؟ " قَالَ: أخٌ لي، أوْ قَرِيبٌ لِي، فَقَالَ: "حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ؟ "،


(١) انظر: "المغني مع الشرح الكبير" (٣/ ١٩٢ - ١٩٣).
(٢) في "السنن" (٢/ ٢٢٣ رقم ٣١) وفيه العباس بن محمد بن مجاشع، لا يعرف حاله.
(٣) في النسخة (أ): "ونحو".