للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والحديثُ دليلٌ على تحريمِ الحسدِ، وأنهُ من الكبائرِ فإنه إذا أكل الحسنات فقد أحبطها ولا تحبط إلا كبيرة. ونسبةُ الأكلِ إليهِ مجازٌ منْ بابِ الاستعارةِ. وقولُه: كما تأكلُ النارُ الحطبَ تحقيقٌ لذهابِ الحسناتِ بالحسدِ كما يذهبُ الحطبُ بالنارِ، ويتلاشَى جرمُه. واعلمْ أن دواءَ الحسدِ الذي يزيلُه عن القلبِ [معرفةُ] (١) الحاسدِ أنهُ لا يضرُّ بحسدهِ المحسودَ في الدينِ ولا في الدُّنيا، وأنهُ يعودُ وبالُ حسدِه عليهِ [في الدارينِ] (٢)؛ إذْ لا تزولُ نعمةٌ بحسدٍ قطُّ وإلا لم تبقَ للَّهِ تعالى نعمةٌ [على أحدٍ] (٣) حتَّى نعمةُ الإيمانِ، لأنَّ الكفارَ يحبونَ زوالَه عن المؤمنينَ، بلِ المحسودُ يتمتعُ بحسناتِ الحاسدِ لأنهُ مظلومٌ منْ جهته إذا أطلقَ لسانَه بالانتقاصِ والغيبةِ وهتكِ السترِ، فيلقَى الله تعالى مفلِسًا منَ الحسناتِ، محرُومًا منْ نعمةِ الآخرةِ كما حرمَ سلامة الصدرِ في الدنيا، وسكون القلبِ والاطمئنانِ [في الدنيا] (٤)، فإذا تأملَ العاقلُ هذا عرفَ أنهُ جرَّ لنفسِه بالحسدِ كلَّ غمٍّ ونكدٍ في [الدنيا والآخرة] (٥).

[جهاد النفس أعظم من جهاد العدو]

٢/ ١٣٩٨ - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ الشدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إنَّمَا الشدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (٦). [صحيح]


(١) في (أ): "أن يعرف".
(٢) زيادة من (ب).
(٣) في (أ): "لأحد".
(٤) زيادة من (ب).
(٥) في (أ): "الدارين".
(٦) البخاري في "صحيحه" رقم (٦١١٤)، ومسلم رقم (٢٦٠٩).
قلت: وأخرج مالك (٢/ ٩٨، ٩٩)، وأحمد (٢/ ٢٣٦)، والبغوي في شرح السنة" رقم (٣٥٨١)، والقضاعي في "مسند الشهاب" رقم (١٢١٢). كلهم عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة.
• وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" رقم (٢٠٢٨٧)، ومن طريقه أحمد (٢/ ٢٦٨)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (١٠/ ٢٣٥)، عن معمر، ومسلم رقم (١٠٨/ ٢٦٠٩) من طريق شعيب والزبيدي ثلاثتهم عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي هريرة.
• وأخرجه الطيالسي في "المسند" رقم (٢٥٢٥)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (٣٥٨٢)، من طريق مسدد، كلاهما عن أبي الأحوص، عن سعيد بن مسروق، عن أبي حازم عن أبي هريرة.