للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وإنْ كانَ تردعه التقْوى [عنْ إزالةِ ذلكَ] (١) فيعفَى عنهُ ما يجدُه في نفسِه منِ ارتياحِه إلى زوالِ النعمةِ عنْ محسودِه مهْمَا كانَ كارهًا لذلكَ منْ نفسِه بعقلِه ودِينه، وهذا التفصيلُ يشيرُ إليهِ ما أخرجَهُ عبدُ الرزاقِ (٢) مرفوعًا: "ثلاثٌ لا يسلمُ مِنهنَّ أحدٌ: الطِّيَرةُ، والظنُّ، والحسدُ، قيلَ: فما المخرجُ منْها يا رسولَ اللهِ؟ قالَ: إذا تَطيّرت فلا ترجعْ، وإذا ظننتَ فلا تُحقّقُ، وإذا حسدتَ فلا تبغِ".

وأخرجَ أبو نعيمٍ (٣): "كلُّ ابن آدمَ حسودٌ ولا يضرُ حاسدًا حسدُه ما لم يتكلَّم باللسانِ أو يعملْ باليدِ". وفي معناهُ أحاديثُ (٤) لا تخلو عن مقالٍ. وفي الزواجرِ (٥) لابن حجر الهيتميِّ: أن الحسدَ مراتبٌ، وهي إما محبةُ زوالِ نعمةِ الغيرِ وإنْ لم تنتقلْ إلى الحاسدِ، وهذا غايةُ الحسدِ، أو معَ انتقالِها إليهِ أوِ انتقالِ مِثْلِهَا إليه، [وإلَّا] (٦) أحبَّ زوالَها لئلَّا يتميزُ عليهِ أو لا مع محبةِ زوالِها، وهذا الأخيرُ هوَ المعفوُّ عنهُ منَ الحسدِ إنْ كانَ في الدُّنيا، والمطلوبُ إنْ كانَ في الدِّينِ [انتهَى] (٧). وهذا القسمُ الأخيرُ يسمَّى غيرةً، فإنْ كانَ في الدينِ فهوَ المطلوبُ وعليهِ حُمِلَ ما رواهُ الشيخانِ منْ حديثِ (٨) ابن عمرَ أنهُ قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا حسدَ إلا في اثنتينِ: رجلٌ آتاهُ اللَّهُ القرآنَ، فهوَ يقومُ به آناءَ الليلِ وآناءَ النهارِ، ورجلٌ آتاهُ اللَّهُ مالًا، فهوَ ينفقُ منهُ آناءَ الليلِ وآناءَ النهارِ". والمرادُ أنهُ يغارُ ممنِ اتصفَ بهاتينِ الصِّفتينِ فَيُقْتَدَى بهِ محبةً للسلوكِ في هذا المسلكِ، ولعلَّ تسميتَه حسدًا مجازٌ.


(١) زيادة من (ب).
(٢) في "المصنف" (١٠/ ٤٠٣ رقم ١٩٥٠٤).
وقال ابن حجر في "الفتح" (١٠/ ٢١٣): وهذا مرسل أو معضل. ثم ذكر له شواهد.
فانظرها إن شئت، وأظنها لا ترفع من قوته.
(٣) في "أخبار أصفهان" (١/ ٢٢٧)، عن أنس بلفظ: "كل بني آدم حسود وبعض الناس في الحسد أفضل من بعض، فلا يضر حاسد حاسدًا ما لم يتكلم بلسان أو يعمل به باليد".
(٤) انظر: "الترغيب والترهيب" للمنذري (٣/ ٥٢٤ - ٥٣٠ رقم ٤٢٥١ - ٤٢٦٤)، تحت عنوان: "الترهيب من الحسد وفضل سلامة الصدر".
(٥) (١/ ٥٧ - ٥٨).
(٦) زيادة من (ب).
(٧) زيادة من (ب).
(٨) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (٥٠٢٥)، ومسلم في "صحيحه" رقم (٢٦٧/ ٨١٥).