للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والحسدُ لا يكونُ إلَّا على نعمةٍ، فإذا أنعمَ اللهُ على [أخيكَ] (١) نعمةً فلكَ فيها حالتانِ، إحداهُما أن تكرهَ تلكَ النعمةَ وتحبَّ زوالَها، وهذهِ الحالةُ تُسَمَّى حسدًا، والثانيةُ أنْ لا تحبَّ زوالَها، ولا تكرهَ وجودَها ودوامَها، ولكنَّكَ تريدُ لنفسكَ مثلَها فهذا يسمَّى غِبْطَةً، فالأولُ حرامٌ على كلِّ حالٍ إلا نعمةً على كافرٍ أو فاجرٍ، وهوَ يستعينُ بها على [الفسادِ و] (٢) تهييج الفتنةِ وإفسادِ ذاتِ البينِ [والصلح] (٣) وإيذاءِ العبادِ، فهذهِ لا يضركَ كراهتُك لها، ومحبتُك زوالَها فإنكَ لم تحبَّ زوالَها منْ حيثُ [أنها] (٤) نعمةٌ بل منْ حيثُ هي آلةٌ للفسادِ والبغي ووجْهُ تحريمِ الحسدِ معَ ما عُلِمَ منَ الأحاديثِ أنهُ [تَسَخُّطٌ لقدرِ] (٥) اللهِ تعالَى [وحكمتِه في تفضيلِ بعضِ عبادِه على بعض، ولذا قيل] (٦):

ألا قلْ لمنْ كانَ لي حاسِدًا … أتدري على مَنْ أسأتَ الأدبْ

أسأتَ على اللهِ في فعلِه … لأنكَ لم ترضَ لي ما وهبْ

[فجازاك عني بأن زادني … وسدَّ عليك وجوه الطلب] (٧)

ثمَّ الحاسدُ إنْ وقعَ لهُ [الخاطرُ بالحسدِ فدفعَهُ] (٨) وجاهدَ نفسَه [في دفعه] (٩) فلا إثمَ عليهِ، بلْ لعلّهُ مأجورٌ في [مدافعته] (١٠). فإنْ [سعَى في زوالِ] (١١) نعمةِ المحسود، [أو سعى في إزالتها] (١٢) فهوَ باغٍ [على أخيه] (١٣)، وإنْ لم يسعَ ولم يظهرْه، فإن كان لمانع العجزِ فإنْ كانَ بحيثُ لو أمكنَه لفعلٍ فهو مأزورٌ، وإن كان لمانع التقوى فقد يعذرَ لأنهُ لا يستطيعُ دفعَ الخواطرِ النفسانيةِ فيكفيهِ في مجاهدِتها أنْ لا يعملَ بها، ولا يعزمَ على العمل بها. وفي الإحياءِ (١٤): فإنْ كانَ بحيثُ لو أُلقِيَ الأمرُ إليهِ ورُدَّ إلى اختيارِه لسعَى في إزالةِ النعمةِ فهوَ حسد حسدًا مذمومًا،


(١) في (أ): "العبد".
(٢) زيادة من (أ).
(٣) زيادة من (أ).
(٤) في (أ): "هي".
(٥) في (أ): "كراهة لنعمه".
(٦) في (أ): "على المحسود وقد أحسن القائل في قوله".
(٧) زيادة من (أ).
(٨) زيادة من (أ).
(٩) زيادة من (ب).
(١٠) في (ب): "مدافعة نفسه".
(١١) في (أ): "فإن أزال".
(١٢) زيادة من (أ).
(١٣) زيادة من (أ).
(١٤) (٣/ ١٩١).