للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المسألةُ الثالثةُ: يتضمن الحديثُ النَّهْيَ عنْ إجابةِ العدوِّ إلى أنْ يجعلَ لهمْ الأميرُ ذِمَّةَ اللهِ وذمةَ رسولِه، بلْ يجعلُ لهم ذمتَه، وقدْ علَّلَهُ بأنَّ الأميرَ ومَنْ معَهُ إذأ أخْفَر ذمَّتهم أي نقضُوا [عهودهم] (١) فهوَ أهونُ عندَ اللهِ من أنْ يخفُروا ذمَته تعالَى، وإنْ كانَ نقضُ الذمةِ محرَّمًا مُطْلقًا.

قيلَ: وهذا النَّهْيُ للتنزيهِ لا للتحريمِ، ولكنّ الأصلَ فيهِ التحريمُ ودَعْوى الإجماعِ على أنهُ للتنزيهِ لا تتمُّ، وكذلكَ تضمنَ النَّهْيُ عنْ إنزالِهم على حكمِ اللهِ تعالى، وعلَّلَهُ بأنهُ لا يدري أيصيبُ فيهمُ حكمَ اللهِ أمْ لا فَلَا ينزلُهم على شيءٍ لا يدري أيقعُ أمْ لا، بلْ ينزلُهم على حُكْمِهِ، وهوَ دليلٌ على أنَّ الحقَّ في مسائلِ الاجتهادِ معَ واحدٍ وليسَ كلُّ مجتهدٍ مصيبًا للحقِّ، وقدْ أقمنا أدلةَ حقيَّة هذا القولِ في محلٍّ آخرَ.

[التورية عند الغزو]

١٢/ ١١٩١ - وَعَنْ كَعْبِ بْن مَالِكٍ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا أَرَادَ غَزْوَةً وَرَّى بِغَيْرِها. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (٢). [صحيح]

(وعنْ كعبِ بنِ مالكٍ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ إذا أرادَ غزوةً ورَّى) بفتحِ الواوِ وتشديد الراءِ أي سَتَرَها (بغيرِها. متفقٌ عليهِ). وقدْ جاءَ الاستثناءُ في ذلكَ بلفظِ: "إلَّا في غزوةِ تبوكَ فإنهُ أظهرَ لهمْ مرادَه". وأخرجَهُ أبو داودَ (٣) وزادَ فيهِ: ويقولُ: "الحربُ خدعةٌ"، وكانتْ توريتُه أنهُ إذا أرادَ قَصْدَ جهةٍ سألَ عنْ طريقِ جهةٍ أُخْرَى إيهامًا أنهُ يريدُها وإنَّما يفعلُ ذلكَ، لأنهُ أتمَّ فيما يريدُه منْ إصابةِ العدوِّ وإتيانِهم علَى غفلةٍ منْ غيرِ تأهُّبِهم لهُ. وفيهِ دليلٌ على جوازِ مثلِ هذَا، وقدْ قالَ - صلى الله عليه وسلم -: "الحربُ خدعةٌ".

[القتال أول النهار وآخره]

١٣/ ١١٩٢ - وَعَنْ مَعْقِلِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرَّنٍ - رضي الله عنه - قَالَ: شَهِدْتُ


(١) في (ب): "عهدهم".
(٢) البخاري رقم (٢٩٤٧)، ومسلم رقم (٥٤/ ٢٧٦٩).
(٣) في "السنن" رقم (٢٦٣٧).