للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المسألةُ الثانيةُ: قولُه: "ولا يثرِّبْ عَلَيْهَا"، وَرَدَ في لفظِ النسائيِّ (١): ولا يعنِّفْها، وهوَ بمعنَى ما هُنَا، وهوَ نَهْيٌ عنِ الجمعِ لها بينَ العقوبةِ بالتعنيفِ والجلدِ، ومَنْ قالَ: المرادُ أنهُ لا يقنعُ بالتعنيفِ دونَ الجلدِ، فقدْ أبعدَ.

قالَ ابنُ بطالٍ (٢): يؤخذُ منهُ أنَّ كلَّ مَنْ أُقِيْمَ عليهِ الحدُّ لا يعزَّرُ بالتعنيفِ واللَّومِ، وإنما يليقُ ذلكَ بمنْ صدرَ منهُ قبلَ أنْ يُرْفَعَ إلى الإمامِ للتحذيرِ والتخويفِ، فإذا رُفِعَ وأقيمَ عليهِ الحدُّ كفاهُ. ويؤيدُ هذا نهيُه - صلى الله عليه وسلم - عنْ سبِّ الذي أقيمَ عليهِ [حدُّ الخمرِ] (٣) وقالَ: "لا تكونُوا عَوْنًا للشيطانِ على أخيْكم" (٤).

وفي قولِه: "ثمَّ إذا زنتْ" إلى آخرِهِ، دليلٌ على أنَّ الزَّاني إذا تكررَ منهُ الزِّنى بعدَ إقامةِ الحدِّ عليهِ تكررَ عليهِ الحدُّ، وأما إذا زَنَى مِرَارًا منْ دونِ تَخَلُّلِ إقامةِ الحدِّ لم يجبْ عليهِ إلا حدٌّ واحدٌ، ويُؤْخَذُ منْ ظاهرِ قولِه: "فليبعْها"، أنهُ لا يقيم عليها الحدُّ.

قالَ المصنفُ في "الفتح" (٥): الأرجحُ أنهُ يجلدُها قبلَ البيعِ ثمَّ يبيعُها، والسكوتُ عنهُ للعلمِ بأنَّ الحدَّ لا يُتْرَكُ ولا يقومُ البيعُ مقامَهُ.

المسألةُ الثالثةُ: ظاهرُ الأمرِ وجوبُ بيعِ السيِّدِ للأَمَةِ، وأنَّ إمساكَ مَنْ تكرَّرتْ منهُ الفاحشةُ محرَّمٌ وهذَا قولُ داودُ وأصحابهِ (٦)، وذهبَ الجمهورُ (٧) إلى أنهُ مستحبٌّ لا واجبٌ.

وقالَ ابنُ بطالٍ (٨): حملَ الفقهاءُ الأمرَ بالبيعِ على الحضِّ على مباعدةِ مَنْ تكرَّرَ منهُ الزِّنَى لِئَلَّا يُظَنَّ بالسيِّدِ الرِّضَا بذلكَ فيكون ديُّوثًا، وقدْ ثبتَ الوعيدُ على منِ اتصفَ بالدِّياثةِ.

وفيهِ دليلٌ على أنهُ لا يجبُ فراقُ الزانيةِ، لأنَّ لفظَ أَمَةِ أَحدِكم عامٌّ لمنْ


(١) في "النسائي": لا يعتقها. "السنن الكبرى" (٤/ ٣٠٠ رقم ٧٢٤٦/ ٨).
(٢) "فتح الباري" ابن حجر (١٢/ ١٦٦).
(٣) في (أ): "الحد للخمر".
(٤) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - البخاري (٦٧٨١).
(٥) "فتح الباري" لابن حجر (١٢/ ١٦٤).
(٦) "المحلَّى" ابن حزم (١١/ ١٦٧).
(٧) "المجموع" لأبي زكريا النووي (٢٠/ ٣٨).
(٨) "المجموع" لأبي زكريا النووي (٢٠/ ٣٨).