للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مسخَّرةٌ للقلبِ، وكذلكَ الحواس الباطنةُ [في حكمِ الخدمِ والأعوانِ] (١)، وهوَ المتصرفُ فيها والمردُّ لها، وقد خُلِقَتْ مجبولةً علَى طاعةِ القلبِ لا تستطيعُ لهُ خلافًا ولا تمردًا؛ فإذا أمرَ العينَ بالانفتاحِ انفتحتْ، وإذا أمرَ الرِجْلَ بالحركةِ تحركتْ، وإذا أمرَ اللسانَ بالكلامِ [وجزمَ بهِ تكلَّم] (٢)، وكذَا سائرُ الأعضاءِ. وتسخيرُ الأعضاءِ والحواسِ للقلب يشبهُ منْ وجهٍ تسخيرَ الملائكةِ للَّهِ تعالَى، فإنَّهم جُبِلُوا على طاعتِه لا يستطيعون لهُ خلافًا، وإنَّما يفترقانِ في شيءٍ وهو أن الملائكةَ [عاملة] (٣) بطاعتِها الله تعالى وامتثالِهَا، والأجفانُ تطيعُ القلبَ بالانفتاحِ والانطباقِ على سبيل التسخيرِ، ولا خيرَ لها من نفسها ومن طاعتها للقلب وإنما افتقرَ القلبُ إلى الجنودِ منْ حيثُ افْتِقَارِه إلى المركب والزادِ لسفرهِ إلى اللهِ تعالَى، وقطعِ المنازلِ إلى لقائهِ، فلأجْلِه تعالى خُلِقَتِ القَلوب، قالَ اللَّهُ تعالَى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)} (٤)، وإنما مركَبُه البدنُ وزادهُ العلمُ، وإنما الأسبابُ التي توصِلُه إلى الزادِ وتمكنهُ منَ التزوُّدِ منهُ هوَ العملُ الصالحُ، ثمَّ أطالَ في هذا المعنَى بما يحتملُ مجلدةً لطيفة، وإنَّما أشرْنا إلى كلامِه ليعلمَ مقدارَ الكلام النبويّ، وأنهُ بحرٌ قطراتُه لا تنزفُ، وأما كون القلب محلَّ العقلِ، أو محله الدماغ فليستْ منْ مسائلِ علمِ الآثارِ حتَّى يشتغلَ بذكرِها وذكرِ الخلافِ فيها.

[التحذير من حب الدنيا]

٢/ ١٣٨٧ - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالْقَطِيفَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ"، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِي (٥). [صحيح]

(وَعَنْ أبي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: تَعِسَ)، في القاموسِ أنه كسمِعَ ومنَعَ، وإذا خاطبتَ قلتَ: تعسَ كمنعَ، وإذا حكيتَ قلتَ: تعِسَ كفرِحَ (٦)، وهوَ الهلاكُ والعثارُ، والسقوطُ والشرُّ، والبعدُ، والانحطاطُ، (عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ


(١) في (أ): "كالخدم للقلب".
(٢) في (أ): "تكلمت".
(٣) في (أ): "عالمة".
(٤) سورة الذاريات: الآية ٥٦.
(٥) في "صحيحه" رقم (٢٨٨٦) و (٢٨٨٧).
(٦) في القاموس المحيط ص ٦٨٨: قلت: تَعَسْتَ … قلت: تعس كسمِع.