للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وحديثُ عائشةَ في البخاريِّ (١) في أنَّها كانتْ تعترضُ في قِبْلَتِهِ - صلى الله عليه وسلم -، فإِذَا قَامَ يُصلِّي غمزَهَا فَقَبَضَتْ رِجْلَيْها، أي: عندَ سجودِهِ، وإذا قامَ بسطتْهُمَا، فإنهُ يؤيدُ حديثَ الكتابِ المذكورَ، ويؤيدُ بقاءَ الأصلِ، ويدلُّ على أنهُ ليسَ اللمسُ بناقضٍ.

وأمَّا اعتذارُ المصنفِ في "فتح الباري" (٢) عنْ حديثِها هَذا بأنهُ يحتملُ أنهُ كان بحائلٍ، أو أنهُ خاصٌّ بهِ؛ فهو بعيدٌ مخالفٌ للظاهرِ، وقدْ فَسَّرَ عليُّ - عليه السلام - الملامسةَ بالجماعِ، وفسَّرَها حَبْرُ الأمةِ ابنُ عباسٍ بذلكَ، وهوَ المدعو لهُ بأنْ يعلّمَهُ اللَّهُ التأويلَ (٣).

فأخرجَ عنهُ عبدُ بنُ حميدٍ أنهُ فَسَّرَ الملامسةَ بعدَ أنْ وضعَ أصبعيهِ في أذنيهِ: ألا وهو النَّيْكُ. وأخرجَ عنهُ الطستيُّ أنه سألَ نافعَ بنَ الأزرقِ عن الملامسةِ ففسَّرَها بالجماعِ، معَ أن تركيبَ الآيةِ الشريفةِ وأسلوبَها يقتضي أن المرادَ بالملامسةِ الجماعُ، فإنهُ - تعالى - عدَّ منْ مقتضياتِ التيممِ المجيءَ منَ الغائطِ، تنبيهًا على الحدثِ الأصغرِ، وعدَّ الملامسَةَ تنبيهًا على الحدث الأكبرِ، وهوَ مقابلٌ لقولهِ - تعالى - في الأمرِ بالغُسْلِ بالماءِ: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} (٤)، ولوْ حُمِلتِ الملامسةُ على اللمسِ الناقضِ للوضوءِ لفاتَ التنبيهُ على أن الترابَ يقومُ مقامَ الماءِ في رفعهِ للحدثِ الأكبرِ وخالفَ صدرَ الآيةِ، وللحنفيةِ تفاصيلُ لا [ينتهضُ] (٥) عليها دليلٌ.

كل شيء على أصله حتى يتيقَّن خلاف ذلك

٥/ ٦٥ - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ في بَطْنِهِ شَيئًا، فَأَشْكَلَ عَلَيهِ: أَخَرَجَ مِنْهُ شَيءٌ، أَمْ لَا؟ فَلا يَخْرُجَنَّ مِنَ


(١) قلت: بل متَّفَق عليه، أخرجه البخاري (١/ ٤٩١ رقم ٣٨٢)، ومسلم (١/ ٣٦٧ رقم ٢٧٢/ ٥١٢).
(٢) (١/ ٤٩٢).
(٣) كما في "زاد المسير في علم التفسير" لابن الجوزي (٢/ ٩٢)، و"جامع البيان عن تأويل آي القرآن" لابن جرير الطبري (٤/ ج ٥/ ١٠١ - ١٠٣).
قلت: واستظهر ابن رشد في "بداية المجتهد" (١/ ٢٩) اللمس في الآية بالجماع.
(٤) سورة المائدة: الآية ٦.
(٥) في النسخة (أ): "ينهض".