للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقالَ بعضُ الحنفيةِ: في الدليلِ على عدمِ تحريمِ الجلوسِ على الحرير، أن قولَهُ: "نَهَى" لَيْسَ صريحًا في التحريمِ، وقالَ بعضُهم: إنهُ يحتملُ أنْ يكونَ المنعُ وردَ عن مجموعِ اللبسِ والجلوسِ لا الجلوسِ وحدَه، قلتُ: ولا يخفَى تكلّفُ هذا القائلِ، والإخراجِ عن الظاهرِ بلا حاجةٍ، وقالَ بعضُ الحنفيةِ (١): يدارُ الجوازُ والتحريمُ على اللبسِ لصحةِ الأخبارِ فيهِ، والجلوسُ ليسَ بلبسٍ، واحتجَّ الجمهورُ على أنهُ يُسمَّى الجلوسُ لبسًا بحديثِ أنسٍ [في الصحيحينِ] (٢): "فقصتُ إلى حصيرٍ لنَا قد أسودَّ منْ طولِ ما لُبِسَ"، ولأنَّ لبسَ كلَّ شيءٍ بحسبِهِ.

وأمّا افتراشُ النساءِ للحريرِ، فالأصلُ جوازُه، وقد أحلَّ لهنَّ لبسُهُ ومنهُ الافتراشُ، ومَنْ قالَ بمنعهِنَّ عن افتراشِهِ فلا حجّةَ لَهُ. واختلفَ في علّةِ تحريمِ الحريرِ على قولينِ:

الأولُ: الخُيلاءُ.

والثاني: كونُه لباسَ رفاهيةٍ وزينةٍ تليقُ بالنساءِ دونَ شهامةِ الرجالِ.

[مقدار ما يباح من الحرير]

٣/ ٤٩٢ - وَعَنْ عُمَرَ - رضي الله عنه - قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ إِلَّا مَوْضِعَ إِصْبَعَيْنِ، أَوْ ثَلَاثٍ، أَوْ أَرْبَع. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (٣)، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ (٤). [صحيح]

(وعن عمرَ - رضي الله عنه - قالَ: نَهَى رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عن لبسِ الحريرِ إلَّا موضعَ إصبعينِ، أو ثلاثٍ أو أربعٍ. متفقٌ عليهِ، واللفظُ لمسلمٍ). قالَ المصنفُ: "أوْ" هنا للتخييرِ والتنويعِ.

وقد أخرجَ الحديثَ ابنُ أبي شيبةَ (٥) من هذا الوجهِ، بلفظِ: "إنَّ الحريرَ لا


(١) انظر: "ملتقى الأبحر" لإبراهيم بن محمد الحلبي (٢/ ٢٣٢ - ٢٣٣). وقال الزيلعي في "نصب الراية" (٤/ ٢٢٧): يشكل على المذهب - أي الحنفية - حديث حذيفة" اهـ.
(٢) البخاري (رقم ٣٧٣ - البغا)، ومسلم رقم (٦٥٨)، وما بين الحاصرتين زيادة من (أ).
(٣) أخرجه البخاري (٥٨٢٩)، ومسلم (١٢/ ٢٠٦٩)، وأبو داود (٤٠٤٢)، والترمذي (١٧٢٢)، والنسائي (٨/ ٢٠٢)، وابن ماجه (٣٥٩٣).
(٤) في "صحيحه" (٣/ ١٦٤٣ رقم ١٥/ ٢٠٦٩).
(٥) في "المصنف" (٨/ ١٦٩ رقم ٤٧٣٣).