للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الجمهورِ (١) قالُوا: لأنَّ العِلَّةَ في ثبوتِ الخيارِ إذا كانَ عبدًا هوَ عدمُ المكافأةِ منَ العبدِ للحرةِ في كثيرٍ من الأحكامِ، فإذا عُتِقَتْ ثبتَ لها الخيارُ منَ البقاءِ في عِصْمَتِهِ والمفارقةِ؛ لأنَّها في وقتِ العقدِ عليها لم تكنْ منْ أهلِ الاختيارِ. وذهبتِ الهادويةُ (٢) وآخرونَ إلى أنهُ يثبتُ لها الخيارُ وإنْ كانَ حُرًا، واحتجُّوا بأنهُ قدْ وردَ في روايةٍ أن زوجَ بريرةَ كان حرًا وردَّه الأولونَ بأنَّها روايةٌ مرجوحةٌ (٣) لا يُعْمَلُ بها، قالُوا: ولأنَّها عندَ تزويجها لم يكنْ لها اختيارٌ فإنَّ سيِّدَها يزوِّجُها وإنْ كرهتْ فإذا أُعْتِقَتْ تجدَّدَ لها حالٌ لم يكنْ قبلَ ذلكَ، قالَ ابن القيِّمِ (٤): إن في تخييرِها ثلاثةَ مآخذَ وذكرَ مأخذينِ وضعَّفَهما ثمَّ ذكرَ الثالثَ وهوَ أرجحُها، وتحقيقُه أن السيِّدَ عَقَدَ عليها بحكمِ المُلْكِ حيثُ كانَ مالكًا لِرَقَبَتِهَا ومنافعِها والعِتْقُ يقتضي تمليكَ الرقبةِ والمنافعَ للمعتقِ، وهذا مقصودُ العتقِ، فإذا ملكت رقبتَها ملكت بضعَها ومنافعَها، ومنْ جملتِها منافعُ البضْعِ فلا يُمْلَكُ عليها إلا باختيارِها فخيَّرها الشارعُ بينَ الأمرينِ البقاءَ تحتَ الزوجِ أو الفسخِ منهُ. وقدْ جاءَ في بعضِ طرق حديثِ بريرةَ (٥): "مَلَكْتِ نفسَكَ فاختاري"، قلتُ: وهوَ منْ تعليقِ الحكمِ وهوَ الاختيارُ على مُلْكِها لِنَفْسِهَا فهوَ إشارةٌ إلى علةِ التخييرِ وهذا يقتضي ثبوتَ الخيارِ وإنْ كانتْ تحتَ حرٍّ. وهلْ يقعُ الفسخُ بلفظِ الاختيارِ؟ قيلَ: نعمْ كما يدلُّ لهُ قولُه في الحديثِ "خُيِّرْتُ"، وقيلَ: لا بدَّ منْ لفظِ الفسخِ، ثمَّ إذا اختارتْ نفسَها لم يكنْ للزوجِ الرجعةُ عليها وإنَّما يراجعُها بعقدٍ جديدٍ إنْ رضيتْ به ولا يزالُ لها الخيارُ بعدَ عِلْمِهَا ما لمْ يطأها لما أخرجَهُ أحمدُ (٦) عنهُ - صلى الله عليه وسلم -: "إذا عُتِقَتْ الأمةُ فهيَ بالخيارِ ما لم يطأها إنْ تشأْ فارقتْهُ وإنْ وَطِئَها فلا خيارَ لها"، وأخرجَهُ الدارقطني (٧) بلفظِ: "إنْ وطِئَكِ فلا خيارَ لكِ"، وأخرَجه أبو داودَ (٨) بلفظِ: "إنْ [قارَبكِ] (٩) فلا خِيارَ لكِ"، فدلَّ أن


(١) انظر: "فتح الباري" (٩/ ٤٠٨).
(٢) انظر: "البحر الزخار" (٣/ ٦٩).
(٣) وقدَّمنا القول فيها أثناء تخريج حديث الباب.
(٤) انظر: "زاد المعاد" (٥/ ١٦٩ - ١٧٠).
(٥) ذكرها ابن القيم في الزاد ولم أقف عليها بهذا اللفظ.
(٦) في "المسند" (٥/ ٣٧٨)، من حديث الفضل بن عمرو بن أمية عن أبيه، بسند ضعيف.
(٧) في "السنن" (٣/ ٢٩٤ رقم ١٨٥) من حديث عائشة.
(٨) في "السنن" (٢٢٣٦) من حديث عائشة وهو حديث ضعيف.
(٩) في (ب): "قرُبَك"، وهو موافق لما في سنن أبي داود.