للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ومنْها: أنه يبدأَ بأيمانِ المدعينَ في القسامةِ بخلافِ غيرِهِا منَ الدَّعَاوَى كما في هذهِ الروايةِ، ويدلُّ لهُ حديثُ أبي هريرةَ (١): "البيِّنَةُ على المدعِّي واليمينُ على المدَّعَى عليهِ إلَّا في القسامةِ" وفي إسنادهِ لِيْنٌ، إلَّا أنهُ قدْ أخرجَهُ البيهقيُّ (٢) منْ حديثِ عمروِ بنِ شعيبٍ ولم يتكلمْ فيهِ، قالُوا: ولأنَّ جنبةَ المدعِّي إذا قويتْ بشهادةٍ أو شُبْهَةٍ صارت اليمين له، وهنا الشبهة قوية فصارَ المدَّعِي في القسامةِ مشابهًا للمدَّعَى عليهِ المتأيدِ بالبراءةِ الأصليةِ.

وذهبتِ الهادويةُ والحنفيةُ وآخرونَ إلى أنهُ يحلفُ المدَّعَى عليهِ ولا يمينَ على المدعينَ، فيحلفُ خمسونَ رجلًا مِنْ أهلِ القريةِ ما قتلْناهُ ولا علمْنَا، قاتلَه، وإلى هذا جنحَ البخاريُّ، وذلكَ لأنَّ الرواياتِ اختلفتْ في ذلكَ في قصةِ الأنصارِ ويهودِ خيبرَ، فيردُّ المختلفُ إلى المتفَّقِ عليهِ منْ أنَّ اليمينَ على المدَّعَى عليهِ، فإنْ حلفُوا فهلْ تلزمُهم الديةُ أم لا؟

ذهبتِ الهادويةُ إلى أنَّها [تلزم] (٣) الديةُ بعدَ الأيمانِ وذهبَ آخرونَ إلى أنَّهم إذا حلفُوا خمسينَ يمينًا برِئُوا ولا ديةَ عليهمْ، [ويدل له] (٤) قصةُ أبي طالبٍ الآتيةُ (٥). واستدلَّ الهادوية ومَنْ معَهُم في إيجابِ الديةِ بأحاديثَ لا تقومُ بها حجَّةٌ لعدمِ صحةِ رفْعِها عندَ أئمةِ هذا الشأنِ.

وقولُه: (فَوَدَاهُ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - منْ عندهِ)، وفي لفظٍ: (أنهُ وداهُ منْ إبلِ الصدقةِ) فقيلَ المرادُ أنهُ اقترضَها منْها وأنهُ لما تحمَّلَها - صلى الله عليه وسلم - للإصلاحِ بينَ الطائفتينِ كانَ حُكْمُهَا حكمَ القضاءِ عنِ الغارمِ لما غَرِمَهُ لإصلاحِ ذاتِ البيْنِ ولم يأخذْها - صلى الله عليه وسلم - لنفسهِ فإنَّ الصدقةَ لا تحلُّ لهُ، ولكنْ [أجرى] (٦) إعطاءَ الديةِ منها مَجْرَى إعطائِها من الغرمِ لإصلاحِ ذاتِ البينِ، وأما مَنْ قالَ إنهُ - صلى الله عليه وسلم - أَعْطَى ذلكَ منْ سهمِ الغارمينَ فلا يصحُّ فإنَّ غارِمَ أهلِ الذمةِ لا يُعْطَى منَ الزكاةِ كذَا قيلَ.


(١) أخرجه ابن عدي في "الكامل" (٦/ ٢٣١٢)، والدارقطني (٤/ ٢١٧ - ٢١٨ رقم ٥١)، وفي سنده مسلم بن خالد فيه مقال.
(٢) في "السنن الكبرى" (١٠/ ٢٥٦). والمثنى بن الصباح ضعيف.
(٣) في (ب): "تلزمهم".
(٤) في (ب): "وعليه تدل".
(٥) في أول شرح الحديث رقم (٢/ ١١١٧) من كتابنا هذا.
(٦) في (ب): "جرى".