للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قلتُ: وفيهِ نظرٌ، فإنَّ اليهودَ لم تلزمْهُم الديةُ لأنهُ لم يحلفِ المدعونَ كما عرفتَ، فما ودَاهُ - صلى الله عليه وسلم - إلَّا تبرُّعًا منهُ لِئَلَّا يهدرَ دمُهُ. وأمَّا روايةُ النسائيِّ أنهُ - صلى الله عليه وسلم - قَسَّمَها على اليهودِ وأعانَهم ببعضِها، فقالَ ابنُ القيِّم (١): إنَّ هذا ليسَ بمحفوظٍ، فإنَّ الديةَ لا تلزمُ المدَّعى عليهمْ بمجردِ دَعوى القتيلِ بلْ لا بدَّ منْ إقرارٍ أو بيِّنةٍ أوْ أيمانِ المدَّعينَ، ولم يوجدْ هُنَا شيءٌ منْ ذلكَ. وقدْ عرضَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - على المدَّعينَ أنْ يحلفُوا فأَبَوْا فكيفَ يُلْزِمُ اليهودَ [الدية] (٢) بمجرَّدِ الدَّعْوَى، انتَهى.

قلتُ: ويظهرُ لي أنهُ ليسَ في هذَا الحديثِ حكمٌ منهُ - صلى الله عليه وسلم - بالقسامةِ أصْلًا كما أفادَه الحديثُ وإنَّما دلَّ الحديثُ، على حكايةِ [الواقع فقط] (٣) وذكرَ لهمْ - صلى الله عليه وسلم - قصةَ الحكْمِ على التقديريْنِ، فمن ثَمَّةَ كتبَ إلى اليهود بعدَ أنْ دارَ بينَهم الكلامُ المذكورُ وسيأتي تحقيقُه. وقولُه: (فكتَبَوُا واللهِ ما قتلْناه) فيهِ دليلٌ على الاكتفاءِ بالمكاتبةِ وبخبرِ الواحدِ معَ إمكانِ المشافهةِ.

فائدةٌ: اختارَ مالكٌ إجراءَ هذهِ الدَّعوى في الأموالِ فأجازَ شهادةَ المسلوبينَ على السالِبيْنَ وإنْ كانُوا مدَّعِيْنَ قالَ: لأنَّ قاطِعَ الطريقِ إنَّما يفعلُ ذلك معَ الغفْلَةِ والانفرادِ عنِ الناسِ، انتَهى.

ولا يخْفَى أنهُ لا يتمُّ هذا إلَّا بعدَ ثبوتِ أنهُ - صلى الله عليه وسلم - حَكَمَ بالقسامةِ، وعرَّفْناكَ هُنَا عدمَ نهوضِ ذلكَ وسنزيدُه بيانًا عنْ قريبٍ. وإذا ثبتَ [هذا فقياس] (٤) مالكٍ مصادِمٌ لنصِّ: "البينةُ على المدعِّي واليمينُ على المنكرِ"، إلَّا أنْ يكونَ مذهبُه جوازَ تخصيصِ عموم النصِّ بالقياسِ، وللعلماءِ كلامٌ في حُجِّيةِ العامِّ بعدَ تخصيصِهِ.

٢/ ١١١٧ - وَعَنْ رَجُلٍ مِنَ الأَنصَارِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَقَرَّ الْقَسَامَةَ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ في الْجَاهِلِيَّةِ، وَقَضى بِهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ ناسٍ مِنَ الأَنْصَارِ في قَتِيلٍ ادّعَوْهُ عَلَى الْيَهُودِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ (٥). [صحيح]

(وعنْ رجلٍ منَ الأنصارِ أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أقرَّ القسامةَ على ما كانتْ عليهِ في


(١) في "زاد المعاد" (٥/ ١٣).
(٢) في (ب): "بالدية".
(٣) في (ب): "للواقع لا غير".
(٤) في (ب): "فهذا قياس من".
(٥) في "صحيحه" رقم (١٦٧٠).