للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الظاهرُ. قالَ القرطبيُّ: ظاهرُ الحديثِ يقتضي تخصيصُه - صلى الله عليه وسلم - بالقتالِ لاعتذارِه عنْ ذلكَ الذي أُبِيحَ لَهُ، معَ أنَّ أهلَ مكةَ كانُوا إذْ ذاكَ مستحقينَ للقتال، لصدِّهم عن المسجدِ الحرامِ، وإخراج أهلهِ منهُ، وكفرِهم. وقالَ بهِ غيرُ واحدٍ منْ أهلِ العلمِ. قالَ ابنُ دقيقِ العيدِ (١): يَتأكدُ القولُ بالتحريمِ بأنَّ الحديثَ دلَّ على أن المأذونَ فيهِ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لم يُؤذَنْ فيهِ لغيرِه، ويؤيدُه قولُه - صلى الله عليه وسلم -: "فإنْ ترخصَ أحدٌ لِقِتَالِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فقُولُوا: إنَّ اللَّهَ أذِنَ لرسولِهِ ولم يأذنْ لكمْ" (٢)، فدلَّ أن حلَّ القتالِ فيها مِنْ خصائِصه - صلى الله عليه وسلم -. ودلَّ على تحريمِ تنفيرِ صيدِها، وبالأَوْلَى تحريمُ قتلِه، وعلى تحريمِ قطع شوكِها، ويفيدُ تحريمُ قطعِ مَا لَا يؤذي بالأَولَى. ومنَ العجبِ أنهُ ذهبَ الشافعيُّ (٣) إلى جوازِ قطعِ الشوكِ منْ فروعِ الشجرِ كما نقلَه عنهُ أبو ثورٍ، وأجازَهُ جماعةٌ غيرُه، ومنْهمُ الهادويةُ (٤)، وعلَّلُوا ذلكَ بأنهُ يؤذي فأشبهَ الفواسقَ.

قلتُ: وهذا منْ تقديمِ القياسِ على النصِّ، وهوَ باطلٌ، على أنكَ عرفتَ أنهُ لم يتم دليلٌ [على] (٥) أن علةَ قتلِ الفواسقِ هوَ الأذيةُ. واتفقَ العلماءُ على تحريمِ قطعِ أشجارِها التي لم ينبتْها الآدميونَ في العادةِ، وعلى تحريمِ قطعِ خَلَاها، وهوَ الرطبُ منَ الكلأ، فإذا يبسَ فهوَ الحشيشُ. واختلفُوا فيما ينبتُه الآدميونَ، فقالَ القرطبيُّ: الجمهورُ على الجوازِ. وأفادَ أنَّها لا تحلُ لُقَطَتُها إلا لمنْ يعرِّفُ بها أبدًا ولا يتملَّكُها، وهوَ خاصٌّ بلقطةِ مكةَ، وأما غيرُها فيجوزُ أنْ يلتقطَها بنيةِ التملُّكِ بعدَ التعريفِ بها سنةً، ويأتي ذكرُ الخلافِ في المَسْألةِ في بابِ اللقطة (٦) [إنْ شاءَ اللهُ تعالَى] (٧). وفي قولِه: "ومنْ قُتِلَ لهُ قتيلٌ فهوَ بخيرِ النظرينِ (٨) دليلٌ على أن الخيارَ للوليِّ، ويأتي الخلافُ في ذلكَ في بابِ الجناياتِ (٩).


(١) في "إحكام الأحكام" (٣/ ٢٦).
(٢) وهو جزء من حديث أبي شريح العدوي. أخرجه البخاري (رقم: ١٠٤ - البغا)، ومسلم (١٣٥٤).
(٣) انظر: "المجموع للنووي" (٧/ ٤٤٨).
(٤) انظر: "التاج المذهب" (١/ ٢٨٥).
(٥) زيادة من النسخة (ب).
(٦) رقم الباب (١٩) من كتاب البيوع (٧).
(٧) زيادة من النسخة (ب).
(٨) وهو جزء من حديث أخرجه البخاري (٢٤٣٤ - عبد الباقي)، ومسلم (١٣٥٥).
(٩) بل هو كتاب الجنايات رقم (١١).