للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(وعنْ أبي هريرةَ قالَ: لما فتحَ اللهُ على رسولِه - صلى الله عليه وسلم -) [أراد بهِ فتحَ مكةَ وأطلقه لأنهُ المعروفُ] (١)، (قامَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في الناسِ) أي: خاطِبًا، وكانَ قيامُه ثانيَ الفتح، (فحمدَ اللَّهَ وأثنَى عليهِ ثمَّ قالَ: إنَّ اللَّهَ حبسَ عنْ مكةَ الفيلَ)، تعريفًا لهم بالمنَّةِ التي مَنَّ اللهُ تعالى بها عليْهم، وهي قصةٌ معروفةٌ مذكورةٌ في القرآنِ، (وسلَّط عليها رسوله والمؤمنينَ) ففتحُوها عُنوةً، (وإنَّها لم تحلَّ لأحدٍ كانَ قبلي، وإنَّما أُحِلَّتْ لي ساعةً منْ نهارٍ)؛ هي ساعةَ دخولِه إيَّاها، (وإنَّها لا تحلُّ لأحدٍ بعدي فلا يُنَفَّرُ) بالبناءِ للمجهولِ (صيدُها)، أي: لا يزعجُه أحدٌ، ولا ينحِّيهِ عنْ موضعهِ، (ولا يُخْتَلَى) بالخاءِ المعجمةِ مبنيٌّ للمجهولِ أيضًا (شوكُها)، أي: لا يُؤْخَذُ [ويُقْطَعُ] (٢)، (ولا [تحلُّ ساقطتُها]) (٣) أي: لقطتُها، وهوَ بهذَا اللفظِ في روايةٍ، (إلا لمنشدٍ) أي: معرِّف [بها] (٤)، يقالُ لهُ: منشدٌ، [ولطالبها] (٥): ناشدٌ، (ومَنْ قُتِلَ له قتيلٌ فهوَ بخيرِ النظرينِ)؛ إما أخذُ الديةِ، أو قتلُ القاتلِ. ([فقال] (٦) العباسُ: إلا الإذخرَ يا رسولَ اللهِ) بكسرِ الهمزةِ وسكونِ الذالِ المعجمةِ، فخاءٍ معجمةٍ مكسورةٍ، نَبْتٌ معروفٌ طيبُ الرائحةِ، (فإنا نَجعلُه في قبورِنا وبيوتِنا، فقال: إلا الإذخرَ. متفقٌ عليه). فيه دليلٌ على أن فتحَ مكةَ عنوةً لقولِه: "لم تحلّ".

[وقوله: "سلَّطَ عليها"، وقوله (٧): "ولا تحلُّ"، وعلى ذلكَ الجماهيرُ. وذهبَ الشافعيُّ - رحمه الله - إلى أنَّها فتحتْ صلحًا [مستدلًّا بأنه] (٨) - صلى الله عليه وسلم - لم يقسمْها على الغانمينَ كما قسمَ خيبرَ، وأجيبَ [عنهُ] (٩) بأنهُ - صلى الله عليه وسلم - مَنَّ على أهلِ مكةَ، وجعلَهمُ الطلقاءَ، وصانَهم عن القتلِ والسبي للنساءِ والذرية، واغتنام الأموالِ، إفضالًا منهُ على قرابتِه وعشيرتِه. وفيهِ دليلٌ على أنهُ لا يحلُّ لأحدٍ القتال بعدَه - صلى الله عليه وسلم - بمكةَ.

قالَ الماورديُّ (١٠): منْ خصائصِ الحرمِ أنهُ لا يُحَاربُ أهلُه وإنْ بَغَوْا على أهلِ العدلِ. وقالتْ طائفةٌ بجوازِه، وفي المسْألةِ خلافٌ. وتحريمُ القتالِ فيها هوَ


(١) في النسخة (أ): "أي فتح مكة".
(٢) في النسخة (أ): "ولا يقطع".
(٣) في النسخة (أ): "يحل ساقطها".
(٤) في النسخة (ب): "لها".
(٥) في النسخة (ب): "وطالبها".
(٦) في النسخة (أ): "قال".
(٧) زيادة من النسخة (ب).
(٨) في النسخة (ب): "لأنه".
(٩) زيادة من النسخة (ب).
(١٠) ذكره ابن دقيق في "إحكام الأحكام" (٣/ ٢٥).