للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقولُه: (حتَّى لا تعلمَ شمالُه) مبالغةٌ في الإخفاءِ، وتبعيدُ الصدقةِ عنْ مظانِّ الرياءِ، ويحتملُ أنهُ على حذف مضافٍ، أي: [من] (١) عنْ شمالهِ. وفيهِ دليلٌ على فضلِ إخفاءِ الصدقةِ على إبدائِها إلَّا أنْ يعلمَ أنَّ في إظهارِها ترغيبًا للناسِ في الاقتداءِ، وأنهُ يحرسُ سرَّهُ عن داعيةِ الرياءِ، وقدْ قالَ تعالَى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} (٢) الآية. والصدقةُ في الحديثِ عامةٌ للواجبةِ والنافلةِ، فلا يُظَنُّ أنَّها خاصةٌ بالنافلةِ حيثُ جعلَهُ المصنفُ في بابِها.

واعلمْ أنهُ لا مفهومَ يعملُ بهِ في قولهِ: ورجلٌ تصدَّقَ؛ فإنَّ المرأةَ كذلكَ إلَّا في الإمامةِ، ولا مفهومَ أيضًا للعددِ، فقدْ وردتْ خصالٌ أُخْرى تقتضي الظلَّ وأبلغَها المصنفُ في الفتحِ (٣) إلى ثمانٍ وعشرينَ خصلةً، وزادَ عليها الحافظُ السيوطيُّ حتَّى أبلْغَها إلى سبعينَ، وأفردَها بالتأليفِ، ثمَّ لخَّصَها في كراسةٍ سمَّاها: "بزوغُ الهلالِ في الخصالِ المقتضيةِ للظلالِ" (٤).

٢/ ٥٩٢ - وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "كُل امْرِئٍ في ظلِّ صَدَقَتِهِ حَتى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ"، رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ (٥) وَالْحَاكِمُ (٦). [صحيح]


(١) زيادة من (أ).
(٢) سورة البقرة: الآية ٢٧١.
(٣) (٢/ ١٤٤) وله رسالة سمَّاها: "معرفة الخصال الموصلة إلى الظلال".
(٤) وهي رسالة للسيوطي تتبَّع فيها الأحاديث الواردة في الخصال الموجبة لظل العرش فبلغ سبعين خصلة واستوعب شواهدها، ثم لخَّص مرة بعد أخرى واقتصر فيه على متن الحديث. "كشف الظنون" (١/ ٢٤٣).
(٥) في "الإحسان" (٨/ ١٠٤ رقم ٣٣١٠) بإسناد صحيح.
(٦) في "المستدرك" (١/ ٤١٦)، وصحَّحه على شرط مسلم ووافقه الذهبي.
قلت: وأخرجه أبو نعيم في "الحلية" (٨/ ١٨١)، وابن المبارك في "الزهد" رقم (٦٤٥)، وأحمد (٤/ ١٤٧ - ١٤٨)، وابن خزيمة (٤/ ٩٤ رقم ٢٤٣١)، وأبو يعلى في "المسند" (٣/ ٣٠٠ رقم ٣٣/ ١٧٦٦)، و"شرح السنة" للبغوي (١/ ١٣٦)، والبيهقي (٤/ ١٧٧)، والطبراني في "الكبير" (١٧/ رقم ٧٧١).
وأورده الهيثمي في "المجمع" (٣/ ١١٠) وقال: "رواه كله أحمد، وروى أبو يعلى والطبراني بعضه، ورجال أحمد ثقات".
وقال الشيخ حسين سليم أسد: نقول: رواه أبو يعلى كله ولم يقتصر على بعضه كما قال الهيثمي.
وخلاصة القول: أن الحديث صحيح، والله أعلم.