للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الثالثُ: أنهُ مباحٌ، وبالغَ بعضُ الظاهريةِ (١) فقالَ: إنهُ مستحبٌّ.

الرابعُ: التفصيلُ، فقالُوا: يكرهُ للشابِّ، ويباحُ للشيخِ. ويُرْوَى عن ابن عباسٍ، ودليلُه ما أخرجَهُ أبو داودَ (٢): "أنهُ أتاهُ - صلى الله عليه وسلم - رجلٌ فسأله عن المباشرةِ للصائمِ فرخَّصَ لهُ، وأتاهُ آخرٌ فسألهُ عنها فنهاهُ؛ فإذَا الذي رخَّصَ لهُ شيخٌ، والذي نهاهُ شابٌّ".

الخامسُ: أن مَنْ ملكَ نفسَه جازَ لهُ وإلَّا فلا، وهوَ مرويٌّ عن الشافعي، واستدلَّ لهُ بحديثِ عمرَ بن أبي سلمةَ لما سألَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فأخبرتْه أمُّهُ أمُّ سلمةَ: "أنهُ - صلى الله عليه وسلم - يصنعُ ذلكَ، فقالَ: يا رسولَ اللهِ، قدْ غفرَ اللهُ لكَ ما تقدَّمَ منْ ذنبكَ وما تأخرَ، فقالَ: إني أخشاكم للهِ" (٣). فدلَّ على أنهُ لا فرقَ بينَ الشابِّ والشيخِ، وإلَّا لبَّينَهُ - صلى الله عليه وسلم - لعمرَ لا سيَّما وعمرُ كانَ في ابتداءِ تكليفهِ. وقدْ ظهرَ مما عرفتَ أَنَّ الإباحةَ أقوى الأقوالِ، ويدلُّ لذلكَ ما أخرجَهُ أحمدُ (٤)، وأبو داودَ (٥) منْ حديثِ عمرَ بن الخطابِ قالَ: هشِشتُ يومًا فقبَّلْتُ وأنا صائمٌ، فأتيتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فقلتُ: صنعتُ اليومَ أمرًا عظيمًا، فقبَّلْتُ وأنا صائمٌ، فقالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: أرأيتَ لو تمضمضتَ بماء وأنتَ صائمٌ؟ قلتُ: لا بأسَ بذلكَ، فقالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ففيمَ؟! " انتَهى قولُه: هشِشْتُ بفتحِ الهاءِ وكسرِ الشينِ المعجمةِ، بعدَها شينٌ


(١) انظر: "المحلَّى" (٦/ ٢٠٥ - ٢١٤)، فقد جمع فأوعى وناقش فأبلى.
(٢) في "السنن" (٢٣٨٧) من حديث أبي هريرة.
وفي إسناده أبو العنبس، واسمه عبد الله بن صُهبان الأسدي، وهو ليِّن الحديث، كما قال الحافظ في "التقريب" (١/ ٤٢٤ رقم ٣٨٩).
(٣) أخرجه مسلم في "صحيحه" (٧٤/ ١١٠٨).
(٤) في "الفتح الرباني" (١٠/ ٥٢ رقم ١١٨)، وفي "المسند" (١/ ٢١).
(٥) في "السنن" (٢٣٨٥).
قلت: وأخرجه البزار (١/ ٤٧٩ - كشف الأستار)، وقال عقبه: "لا نعلمه عن عمر إلّا من هذا الوجه بهذا اللفظ، وقد روي عن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بخلاف هذا" اهـ.
وأخرجه الدارمي (٢/ ١٣)، والحاكم (١/ ٤٣١)، والبيهقي (٤/ ٢١٨) و (٤/ ٢٦١) وصحَّحه الحاكم على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (٣/ ٦٠ - ٦١)، والنسائي في "الكبرى" (٨/ ١٧ - تحفة الأشراف) من طرق.
والخلاصة: أن الحديث صحيح، والله أعلم.