للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

سعيدٍ مثلَه. قالَ أبو محمدٍ بن حزمٍ (١): إنَّ حديثَ: "أفطرَ الحاجمُ والمحجومُ" ثابتٌ بلا ريبٍ لكنْ وجدْنا في حديثٍ: "أنهُ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عن الحجامةِ للصائمِ وعنِ المواصلةِ، ولم يحرِّمْهُما إبقاءً على أصحابهِ" (٢) إسنادُه صحيحٌ. وقدْ أخرجَ ابنُ أبي شيبةَ (٣) ما يؤيِّدُ حديثَ أبي سعيدٍ: "أنهُ - صلى الله عليه وسلم - رخَّصَ في الحجامةِ للصائمِ" والرخصةُ إنما تكونُ بعدَ العزيمةِ فدلَّ على النسخِ سواءٌ كانَ حاجمًا أو محجومًا. وقيلَ: إنهُ يدلُّ على الكراهةِ، ويدلُّ لها حديثُ أنسٍ الآتي (٤)، وقيلَ إنَّما قالهُ - صلى الله عليه وسلم - في خاصٍّ وهوَ أنهُ مرَّ بهما، وهما يغتابانِ الناسَ، رواهُ الوحاظيُّ عنْ يزيدِ بن ربيعةَ، عنْ أبي الأشعثِ الصنعانيِّ أنهُ قالَ: "إنَّما قالَ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أفطرَ الحاجمُ والمحجومُ له، لأنَّهما كانا يغتابانِ الناسَ". وقالَ ابنُ خزيمةَ في هذا التأويلِ: إنهُ أعجوبةٌ، لأنَّ القائلَ بهِ لا يقولُ إنَّ الغيبةَ تفطِّرُ الصائمَ. وقالَ أحمدُ: ومنْ سَلِمَ مِنَ الغيبةِ؟ لو كانتِ الغيبةُ تفطِّرُ ما كانَ لنا صومٌ. وقدْ وجَّهَ الشافعيُّ (٥) هذا القولَ، وحملَ الشافعيُّ الإفطارَ بالغيبةِ على سقوطِ أجرِ الصومِ مثلُ قولهِ - صلى الله عليه وسلم - للمتكلِّمِ والخطيبُ يخطبُ: "لا جمعةَ لهُ" (٦)، ولم يأمْره بالإعادةِ، فدلَّ على أنهُ أرادَ سقوطَ الأجرِ وحينئذٍ فلا وجْهَ لجعلهِ أعجوبةً كما قالَ ابنُ خزيمةَ. وقالَ البغويُّ: (٧) المرادُ بإفطارِهما تعرُّضُهمَا للإفطارِ؛ أما الحاجمُ فلأنهُ لا يأمنُ من وصولِ شيءٍ منَ الدمِ إلى جوفهِ عندَ المصِّ، وأما المحجومُ [له] (٨) فلأنهُ لا يأمنُ منْ ضعفِ قوَّتهِ بخروجِ الدم فَيَؤولُ إلى الإفطارِ. قالَ ابنُ تيمية رحمهُ الله في ردِّ هذا التأويلِ: إنَّ قولَهُ - صلى الله عليه وسلم -: "أفطرَ الحاجمُ والمحجومُ لهُ" نصٌّ في حصول الفطرِ لهما، فلا يجوزُ أن يعتقدَ بقاءَ صَومِهما والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يخبرُ عنْهما بالفطرِ، لا سيَّما وقد


(١) في "المحلَّى" (٦/ ٢٠٤ - ٢٠٥).
(٢) تقدم تخريجه في شرح حديث رقم (١٣/ ٦٢٢) من كتابنا هذا.
(٣) في "المصنف" (٣/ ٥١ - ٥٣).
(٤) رقم (١٨/ ٦٢٧) من كتابنا هذا.
(٥) انظر: "مغني المحتاج" (١/ ٤٣٥).
(٦) أخرجه أحمد في "الفتح الرباني" (٦/ ٦٢ رقم ١٥٦٣)، وأبو داود في "السنن" (رقم ١٠٥١) من حديث علي وفي إسناده مجهول وهو مولى امرأة عطاء الخراساني.
وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف، والله أعلم.
(٧) في "شرح السنة" (٦/ ٣٠٤).
(٨) زيادة من (أ).