للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الجماهيرُ فقالُوا: يجزئُه صومُه لفعلِه - صلى الله عليه وسلم -. والآيةُ لا دليلَ فيها على عدمِ الإجزاءِ. وقولُهُ: "أولئكَ العصاةُ" إنَّما هوَ لمخالفتهم لأمرهِ بالإفطارِ، وقدْ تعيَّنَ عليهمْ. وفيه أنهُ ليسَ في الحديثِ أنهُ أمرَهمْ وإنَّما يتمُّ على أنَّ فعلَه يقتضي الوجوبَ. وأما حديثُ: "ليسَ منَ البرِّ" فإنَّما قالهُ - صلى الله عليه وسلم - فيمَنْ شقَّ عليهِ الصيامُ. نعمْ يتمُّ الاستدلالُ بتحريمِ الصومِ في السفرِ علَى مَنْ شقَّ عليهِ فإنهُ إنَّما أفطرَ - صلى الله عليه وسلم - لقولِهم إنَّهم قدْ شقَّ عليهمْ الصيامُ فالذين صامُوا بعدَ ذلكَ وصفَهم بأنَّهمْ عصاةٌ.

وأما جوازُ الإفطارِ وإنْ صامَ أكثرَ النَّهارِ، فذهبَ أيضًا إلى جوازهِ الجماهيرُ، وعلَّقَ الشافعيُّ القولَ بهِ على صحةِ الحديثِ، وهذَا إذا نوى الصيامَ في السفرِ، وأما إذا دخلَ فيهِ وهوَ مقيمٌ ثمَّ سافرَ في أثناءِ يومِه فذهبَ الجمهورُ إلى أنهُ ليسَ لهُ الإفطارُ، وأجازَهُ أحمدُ، وإسحاق، وغيرُهم. والظاهرُ معَهم لأنهُ مسافرٌ (١)، وأما الأفضلُ فذهبتِ الهادويةُ وأبو حنيفةَ والشافعيُّ إلى أنَّ الصومَ أفضلُ للمسافرِ (٢) حيثُ لا مشقةَ عليهِ ولا ضررَ، فإنْ تضررَ فالفطرُ أفضلُ. وقالَ أحمدُ وإسحاقُ وآخرونَ: الفطرُ أفضلُ مطلقًا، واحتجُّوا بالأحاديثِ التي احتجَّ بها مَنْ قالَ: لا يجزئُ الصومُ، قالُوا: وتلكَ الأحاديثُ وإنْ دلَّتْ على المنعِ لكنَّ حديثَ حمزةَ بن عمرٍو الآتي (٣)، وقولَهُ: "مَنْ أحبَّ أنْ يصومَ فلا جناحَ عليهِ" أفادَ بنفيهِ الجناحَ أنهُ لا بأسَ بهِ لا أنهُ محرَّمٌ ولا أفضلُ، واحتجَّ مَنْ قَالَ: بأنَّ الصومَ الأفضلُ أنهُ كانَ غالبَ فعلهِ - صلى الله عليه وسلم - في أسفارهِ. ولا يُخفَى أنهُ لا بدَّ مِنَ الدليلِ على الأكثريةِ. وتأوَّلُوا أحاديثَ المنعِ بأنهُ لمنْ شُقَّ عليهِ الصومُ. وقالَ آخرونَ: الصومُ والإفطارُ سواءٌ لتعادلِ الأحاديثِ في ذلكَ، وهوَ ظاهرُ حديثِ أنسٍ (٤): "سافرْنا معَ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فلمْ يُعِبِ الصائمَ على المفطرِ، ولا المفطرَ على الصائمِ"، وظاهرهُ التسويةُ.


(١) انظر: "بداية المجتهد" بتحقيقنا (٢/ ١٦٥ - ١٧٥).
والفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي (٢/ ٦٤١ - ٦٤٤).
و"المجموع" للنووي (٦/ ٢٦٠ - ٢٦٦).
(٢) و "الروض النضير" (٣/ ٣٤ - ٣٨).
(٣) رقم (٢٣/ ٦٣٢) من كتابنا هذا.
(٤) أخرجه البخاري (١٩٤٧)، ومسلم (١١١٨).