للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وقيلَ: الوارثُ خاصةً، وقيلَ: عصبتهُ. وفي المسألةِ خلافٌ، فقالَ أصحابُ الحديثِ وأبو ثورٍ وجماعةٌ: إنهُ يجزئُ صومُ الوليِّ عن الميتِ لهذَا الحديثِ الصحيحِ (١). وذهبت جماعةٌ منَ الآلِ ومالكٌ وأبو حنيفةَ أنه لا يصام عن الميتِ، وإنَّما الواجبُ الكفارةُ لما أخرجهُ الترمذيُّ (٢) منْ حديثِ ابن عمرَ مرفوعًا: "مَنْ ماتَ وعليهِ صيامٌ أُطْعِمَ عنهُ مكانَ كلِّ يومٍ مسكينٌ"، إلَّا أنهُ قالَ بعدَ إخراجهِ: غريبٌ لا نعرفُه إلا من هذا الوجهِ، والصحيحُ أنهُ موقوفٌ على ابن عمرَ. قالُوا: ولأنهُ وردَ عن ابن عباسٍ وعائشةَ الفتيا بالإطعامِ، ولأنهُ الموافقُ لسائرِ العباداتِ، فإنهُ لا يقومُ بها مكلَّفٌ عنْ مكلَّفٍ، والحج مخصوصٌ. [والجواب] (٣) بأنَّ الآثارَ المرويةَ [منْ فُتْيا] (٤) عن عائشةَ وابنِ عباس - رضي الله عنهم - لا تُقاوِمُ الحديثَ الصحيحَ.

وأما قيامُ مكلَّفٍ بعبادةٍ عنْ غيرهِ فقدْ ثبتَ في الحجِّ بالنصِّ الثابتِ فليثبت في الصومِ بهِ فلا عذرَ عن العملِ بهِ، واعتذارُ المالكيةِ عنهُ بعدمِ عملِ أهلِ المدينةِ بهِ مبنيٌّ على أن تركَهُمُ العملَ بالحديثِ حجةٌ وليسَ كذلكَ كما عرفَ في الأصولِ، وكذلكَ اعتذارُ الحنفيةِ بأنَّ الراويَ أفتَى بخلافِ ما رُوِيَ عذرٌ غيرُ مقبولٍ إذِ العبرةُ بما رَوَى لا بما رَأَى كما عُرِفَ فيها أيضًا. ثمَّ اختلَفَ القائلونَ بإجزاءِ الصيامِ عن الميتِ هلْ يختصُّ ذلكَ بالولي [أم لا] (٥)؟ فقيلَ: لا يختصُّ بالوليِّ بلْ لو صامَ عنهُ الأجنبيُّ بأمرِهِ أجزأ كما في الحجِّ، وإنَّما ذُكِرَ الوليُّ في الحديثِ للغالبِ. وقيلَ: يصحُّ أنْ يستقلَّ بهِ الأجنبيُّ بغيرِ أمرٍ لأنهُ [قدْ] (٦) شبَّههُ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بالدَّيْنِ حيثُ قالَ: "فدينُ اللَّهِ أحقُّ أنْ يُقْضَى"، فكما أن الدَّيْنَ لا يختصُّ بقضائهِ القريبُ فالصومُ مثلُه وللقريبِ أنْ يستنيبَ (٧).


(١) انظر: "بداية المجتهد" بتحقيقنا (٢/ ١٧٤ - ١٧٥).
(٢) في "السنن" (٧١٨) وقال: حديث ابن عمر لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه.
والصحيح عن ابن عمر موقوف قولُه.
قلت: وأخرجه ابن ماجه (١٧٥٧)، وهو حديث ضعيف.
(٣) في (ب): "وأجيب".
(٤) زيادة من: (أ).
(٥) في (ب): "أولًا".
(٦) زيادة من: (ب).
(٧) قال صاحب "فتح العلام": قلت: "ظاهر الحديث اختصاص الولي بالصوم وكذا بالحج، ولم يرد دليل على الصيام والحج عن غير القريب بل دل حديث الباب وما ورد في معناه على أنه يصوم الولي عن الميت وكان يحج عنه القريب دون الأجنبي والغريب" اهـ.