للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(وعَنْها) أيْ: عائشةَ (- رضي الله عنها -: قَالَتْ: السنة علَى المعتكفِ أنْ لا يعودَ مريضًا، ولا يشهدَ جنازةً، ولا يمسَّ امرأةً، ولا يباشرَها، ولا يخرجَ لحاجةٍ إلَّا لِمَا لا بدَّ لَهُ منهُ) مما سلفَ ونحوِه (ولا اعتكافَ إلَّا بصومٍ، ولا اعتكافَ إلَّا في مسجدٍ جامعٍ. رواهُ أبو داوُدَ، ولا بأسَ برجالِه، إلَّا أن الراجحَ وقْفُ آخِرِهِ) من قولِها: "ولا اعتكافَ إلَّا بصومٍ". [و] (١) قالَ المصنفُ (٢): جزمَ الدارقطنيُّ أنَّ القدْرَ الذي منْ حديثِ عائشةَ قولُها: "لا يخرجُ إلا لحاجةٍ"، وما عداهُ ممنْ دونَها، انتَهَى منْ فتحِ الباري. وهنَا قالَ: إنَّ آخِرَهُ موقوفٌ. وفيهِ دلالةٌ على أنهُ لا يخرجُ المعتكفُ لشيءٍ مما عيَّنَتْهُ هذهِ الروايةُ، وأنهُ أيضًا لا يخرجُ لشهودِ الجمعةِ، وأنهُ إن فعلَ أي ذلكَ بطلَ اعتكافُهُ. وفي المسْألةِ خلافٌ كثير ولكنَ الدليل قائمٌ على ما ذكرناهُ. وأما اشتراطُ الصوم ففيهِ خلافٌ أيضًا، وهذا الحديثُ الموقوفُ دالٌّ على اشتراطِهِ، وفيهِ أحاديثُ منْها في نفي شرطِيَّتِهِ، ومنْها في إثباتها، والكلُّ لا ينتهض حجةً، إلَّا أن الاعتكافَ عُرفَ منْ فعلِهِ - صلى الله عليه وسلم - ولمْ يعتكفْ إلَّا صائمًا. واعتكافُه في العشْرِ الأوَلِ منْ شوالٍ (٣) الظاهرُ أنهُ صامَها. [ولا] (٤) يعتكفْ إلَّا منْ ثاني شوالٍ، لأنَّ يومَ العيدِ يومُ شغلِه بالصلاةِ والخطبةِ والخروجِ إلى الجبانةِ، إلَّا أنهُ لا يقومُ بمجردِ الفعْلِ حجةٌ على الشرطيةِ. وأنها اشتراطُ المسجدِ فالأكثرُ على شرطيتِه إلَّا عنْ بعض العلماءِ، والمرادَ منْ كونِه جامعًا أنْ تقامَ فيهِ الصلواتُ، وإلى هذا ذهبَ أحمدُ وأبو حنيفةَ. وقالَ الجمهورُ: يجوزُ في كلِّ مسجدٍ إلا لمنْ تلزمُه الجمعةُ


(١) زيادة من (ب).
(٢) في "فتح الباري" (٤/ ٢٧٣).
(٣) أخرج البخاري (٢٠٣٣)، ومسلم (٦/ ١١٧٢) عن عائشة قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتكفُ في العشر الأواخر من رمضان، فكنت أضرب له خباء فيصلي الصبحَ ثم يدخلُه.
فاستأذنت حفصةُ عائشةَ أن تضرب خِباء فأذنت لها فضربت خباء. فلما رأتهُ زينب بنتُ جحش ضربت خباءً آخرَ، فلما أصبحَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - رأى الأخبية فقال: ما هذا؟ فأخبرَ، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: آلْبِرَّ تُرَونَ بهنَّ؟ فترك الاعتكافَ ذلك الشهرَ.
ثم اعتكفَ عشرًا من شوّالٍ".
وقال صاحب "الروضة الندية" (١/ ٥٧٣) بتحقيقنا عقب هذا الحديث: "ولم ينقل عنه أنه صامها، بل روي عنه أنه اعتكف العشر الأول من شوال، ولا يخفى أن يوم الفطر من جملتها، وليس بيوم صوم، فالحق عدم اشتراط الصوم في الاعتكاف لما تقدم … ".
(٤) في (ب): "ولم".