للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الترتيبُ المشروعُ فيها، وهكذَا فعلَ - صلى الله عليه وسلم - في [حجتهِ] (١)، ففي الصحيحينِ (٢): "أنهُ - صلى الله عليه وسلم - أتى مِنَى، فأتَى الجمرةَ فرماها، ثمَّ أتَى منزلَه بمنَى فنحرَ وقالَ للحالقِ: خذْ"، ولا نزاعَ في هذا للحاجِّ مطلقًا، ونازعَ بعضُ الفقهاءِ في القارنِ فقالَ: لا يحلقُ حتَّى يطوفَ.

والحديثُ دليلٌ على أنهُ يجوزُ تقديمُ بعضِ هذهِ الأشياءِ وتأخيرُها، وأنهُ لا ضيقَ ولا إثمَ على مَنْ قدَّمَ أو أخَّرَ، فاختلفَ العلماءُ في ذلكَ؛ فذهبَ الشافعيُّ وجمهورُ السلفِ، وفقهاءُ أصحابِ الحديثِ، والعلماءُ إلى الجوازِ، وأنهُ لا يجبُ الدمُ على مَنْ فعلَ ذلكَ لقوله للسائلِ: "ولا حرجَ"، فإنهُ ظاهرٌ في نفي الإثمِ والفديةِ معًا، لأنَّ اسمَ الضيقِ [يشملُها] (٣).

قالَ الطبريُّ: لم يُسقِطِ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الحرجَ إلَّا وقدّ أجزأَ الفعلُ، إذْ لو لم يجزئْه لأمرَهُ بالإعادةِ، لأنَّ الجهلَ والنسيانَ لا يضعانِ عن المكلَّفِ الحكمَ الذي يلزمُه في الحجِّ كما لو تركَ الرميَ ونحوَه، فإنهُ لا يأثمُ بتركهِ ناسيًا أو جاهلًا، لكنْ يجبُ عليهِ الإعادةُ. وأما الفديةُ فالأظهرُ سقوطُها عن الناسي والجاهلِ، وعدمُ سقوطِها عن العالم، قالَ ابنُ دقيقِ العيدِ (٤): القولُ بسقوطِ الدمِ عن الجاهلِ والناسي دونَ العامدِ قويٌّ منْ جهةِ أن الدليلَ دلَّ على وجوبِ اتباعِ أفعالِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الحجِّ بقولهِ: "خُذُوا عني مناسِكَكم" (٥). وهذه السؤالاتُ المرخصةُ بالتقديمِ لما وقعَ السؤالُ عنهُ إنَّما قرنتْ بقولِ السائلِ: "لم أشعرْ"؛ فيختصُّ الحكمُ بهذهِ الحالةِ، ويحملُ قولُه: "لا حرجَ" على نفي الإثمِ والدمِ معًا في الناسي والجاهلِ، ويبقى العامدُ على أصلِ وجوب اتباعِ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - في الحجِّ. والقائلُ بالتفرقةِ بينَ العامدِ وغيْرهِ قدْ مشَىَ أيضًا على القاعدةِ في أن الحكمَ إذا رُتِّبَ على وصفٍ يمكنُ بأنْ يكونَ معتبرًا لم يجز اطِّراحُه، ولا شكَّ أن عدمَ الشعورِ وصفٌ مناسبٌ


(١) في النسخة (أ): "حجه".
(٢) أخرجه مسلم (١٣٠٥)، وأبو داود (١٩٨١)، والترمذي (٩١٢)، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(٣) في النسخة (أ): "يشملهما".
(٤) في كتابه "إحكام الأحكام" (٣/ ٧٩).
(٥) تقدَّم تخريجه مرارًا.