للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

والدليلُ على اشتراطِ الإيجابِ والقبولِ أنهُ تعالى قال: {تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ} (١). وأخرجَ ابن حبانَ (٢)، وابنُ ماجه (٣) عنهُ - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّما البيعُ عنْ تراضٍ". ولما كانَ الرِّضَا أمرًا خفيًّا لا يُطَّلَعُ عليهِ وجبَ تعلُّقُ الحكمِ بسببٍ ظاهرٍ يدلُّ عليه، وهوَ الصيغةُ، ولا بدَّ أنْ يكونَ على صيغةِ الجزمِ [لفظُها] (٤) لتتمَّ معرفةُ الرِّضا.

وقد استُثني المحقَّرُ منْ ذلكَ لجري عادةِ المسلمينَ بالدخولِ فيه منْ غيرِ لفظٍ، وهذا عندَ الجماهيرِ منْ علماءِ الأمةِ، وذهبَت الشافعيةُ إلى أنهُ لا بدَّ منَ اللفظينِ كغيرهِ، وقدِ اختارَ النوويُّ (٥) وأكثرُ المتأخرينَ منَ الشافعيةِ عدمَ اشتراطِ العقدِ في المحقَّرِ. والمحقَّرُ ما دونَ رُبْعِ المثقالِ، وقيلَ: التافهُ منَ البقولِ والرّطَبِ والخبزِ، وقيلَ: ما دونَ نصابِ السرقة. والأشبهُ اتباعُ العُرْفِ.

ثمَّ الحق أنه لم [يتمَّ] (٦) دليلٌ على اشتراطِ الإيجابِ والقبولِ، بلْ حقيقةُ البيع المبادلةُ الصادرةُ عنْ تراضٍ كما أفادتِ الآيةُ والحديثُ. نعمْ الرِّضا أمرٌ خفيٌّ يناطُ بقرائنَ، منها: الإيجابُ والقبولُ، ولا ينحصرُ فيهما بلْ متَى انسلختِ النفسُ عن المبيعِ والثمنِ بأيِّ لفظٍ كانَ. وعلى هَذَا معاملاتُ الناس قديمًا وحديثًا إلَّا منْ عرفَ المذاهبَ وخافَ نقضَ الحاكمِ للبيعِ لاحظَ الإيجابَ والقبولَ.

* * *


(١) سورة النساء: الآية ٢٩.
(٢) في الإحسان (١١/ ٣٤٠ رقم ٤٩٦٧).
(٣) ابن ماجه (٢١٨٥)، وقال البوصيري (٢/ ١٦٨) رقم (٧٦٨/ ٢١٨٥): "هذا إسناد صحيح رجاله ثقات .. اهـ".
وصحَّحه المحدث الألباني في "الإرواء" (٥/ ١٢٥ رقم ١٢٨٣).
(٤) في (أ): "لفظًا".
(٥) في "المجموع" (٩/ ١٦٤).
(٦) في (أ): "يقم".