للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تفاضِلُوا وهوَ منَ الشِفِّ بكسرِ الشينِ، وهيَ الزيادةُ هُنَا. وإلى ما أفادَهُ الحديثُ ذهبتِ الجلَّةُ منَ العلماءِ، الصحابةِ (١) والتابعينَ والعترةِ (٢)، والفقهاءِ. فقالُوا: يحرمُ التفاضلُ فيما ذُكِرَ غائبًا كانَ أو حاضِرًا. وذهبَ ابنُ عباسٍ (٣) وجماعةٌ منَ الصحابةِ إلى أنهُ لا يحرمُ الربا إلا في النسيئةِ، مستدلينَ بالحديثِ الصحيحِ (٤): "لا رِبَا إلا في النسيئةِ". وأجابَ الجمهورُ (٥) بأنَّ معناهُ لا رِبَا أشدُّ إلا في النسيئةَ، فالمرادُ نفيُ الكمالِ لا نفيُ الأصلِ، ولأنهُ مفهومٌ، وحديثُ أبي سعيدٍ منطوقٌ، ولا يقاومُ المفهومُ المنطوقَ؛ فإنهُ مطَّرِحٌ معَ المنطوقِ.

وقدْ رَوَى (٦) الحاكمُ أن ابنَ عباسٍ - رضي الله عنه - رجع عنْ ذلكَ القولِ، أي بأنهُ لا رِبَا إلا في النسيئةِ واستغفَرَ الله عن القولِ بهِ. ولفظُ الذهبِ عامٌّ لجميعِ ما يُطْلَقُ عليهِ منْ مضروبٍ وغيرهِ، وكذلكَ لفظُ الورِقِ. وقولُه: لا تبيعُوا غائبًا منْها بناجزٍ، المرادُ بالغائبِ ما غابَ عنْ مجلسِ [البيع] (٧) مؤجَّلًا كانَ أَوْ لا، والناجزُ الحاضرُ.


(١) انظر: "المحلَّى" (٨/ ٤٦٨).
(٢) انظر: "البحر الزخار" (٣/ ٣٣١).
(٣) انظر: "بداية المجتهد" (٣/ ٢٤٥) بتحقيقنا.
(٤) أخرجه البخاري (٢١٧٨)، ومسلم (١٠١، ١٠٢، ١٠٣/ ١٥٩٦)، والنسائي (٤٥٨٠، ٤٥٨١)، وابن ماجه (٢٢٥٧)، وأحمد (٥/ ٢٠٠) وغيرهم من حديث ابن عباس عن أسامة بن زيد مرفوعًا.
(٥) انظر: "فتح الباري" (٤/ ٣٨٢).
(٦) في "المستدرك" (٢/ ٤٢، ٤٣) وصحَّحه ووافقه الذهبي إلا أنه قال: قلت: حيان فيه ضعف وليس بالحجة اهـ، وهو حيان بن عبيد اللهِ العدوي. وأخرجه البيهقي (٥/ ٢٨٦)، وابن حزم في "المحلَّى" (٧/ ٤١٧)، وابن عدي في "الكامل" (٢/ ٨٣١) كلهم من نفس طريق حيان هذا، وقد قال عنه ابن عدي: وعامة ما يرويه إفرادات ينفرد بها. وذكر أن هذا منها، ونقل الذهبي في "الميزان" (٢٣٨٨) عن البخاري قال: ذكر الصلت منه الاختلاط اهـ. وقال الحافظ في "الفتح" (٤/ ٣٨٢): واختلف في رجوعه اهـ، أي ابن عباس عن مذهبه في الربا واستدل بهذا وهذا لا يثبت. لكن ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - كراهيته لذلك بعد أن كان قد أجازه، أخرجه مسلم (١٠٠/ ١٥٩٤) والحمد لله.
والذي يبدو أنه رجع عن مذهبه بعد مراجعة أبي سعيد الخدري له فإنه قال: إنا سنكتب إليه فلا يفتيكموه. رواه مسلم (٩٩/ ١٥٩٤)، وثبتت أيضًا المراجعة الشفوية له، رواها أيضًا مسلم (١٠١، ١٠٤/ ١٥٩٦).
(٧) في (أ): "البائع".