للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

موقوفًا عليهِ بلفظ: "جفوفُ الأرضِ طهورُها"، فلا تقومُ بهما حجةٌ.

والحديثُ ظاهرٌ في أن صبَّ الماءِ يُطَهِّرُ الأرضَ رِخْوَةً كانتْ أو صُلْبَةً، وقيلَ: لا بدَّ من غسلِ الصُّلْبَةِ كغيرها مِنَ المتنجساتِ، وأرضُ مسجدهِ - صلى الله عليه وسلم - كانتْ رِخْوَةً فكفى فيها الصبُّ.

[وكذلكَ الحديثُ ظاهرٌ] (١) في أنها لا تتوقفُ الطهارةُ على نضوبِ الماءِ، لأنهُ - صلى الله عليه وسلم - لم يشترط في الصَّبِّ على بولِ الأعرابي شيئًا، وهو الذي اختارَهُ المهدي في "البحر" (٢)؛ وفِي أنهُ لا يشترطُ حَفْرُها وإلقَاءُ الترابِ.

وقال أبو حنيفة: إذا كانتْ صُلْبَةً فلا بدَّ من حَفْرِها وإلقاءِ الترابِ؛ لأنَّ الماءَ لم يعمَّ أعلاها وأسفَلَها، ولأنهُ وردَ في بعضِ طرقِ [هذا] (٣) الحديثِ أنهُ قالَ - صلى الله عليه وسلم -: "خذوا ما بالَ عليهِ مِنَ الترابِ فألقوهُ، وأَهْريقوا على مكانهِ ماءً".


= (والوجه الثاني): جفافُها ويُبْسُها بالشمس أو الهواءِ وذهابُ أثرِ النجاسةِ، وهو مذهبُ أبي حنيفةَ، وأبي يوسف، ومحمدِ بن الحسنِ. واستدلوا بالحديث الذي أخرجهُ أبو داود (٢/ ٤١ - مع العون)، والبغويُّ في: "شرحِ السنةِ" (٢/ ٨٢)، وقالَ: حديث صحيحٌ، والبيهقي (١/ ٢٤٣)، والبخاري في صحيحه تعليقًا (١/ ٢٧٨ - مع الفتح)، و"تغليق التعليق" (٢/ ١٠٩)، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال:
كنتُ أبيتُ في المسجد في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكنت فتًى شابًا عَزبًا، وكانت الكلابُ تبولُ وتقبلُ وتدبر في المسجدِ فلم يكونوا يرشون شيئًا من ذلك. وهو حديثٌ صحيحٌ.
• قال ابن حجر في "فتح الباري" (١/ ٢٧٩): "واستدل أبو داود في "السنن" على أنَّ الأرضَ تَطهُرُ إذا لاقَتْها النجاسَةُ بالجفافِ، يعني أنَّ قولَهُ: "لم يكونوا يرشونَ" يدلُّ على نفي صبِّ الماءِ من بابِ أولى، فلولا أنَّ الجفاف يفيدُ تطهيرَ الأرضِ، ما تركوا ذلك ولا يخفى ما فيه" اهـ.
وقال شمس الحق آبادي في "عون المعبود" (١/ ٤٣)، تعقيبًا على كلام ابن حجر هذا: "ليس عندي في هذا الاستدلال خفاءٌ بل هو واضحٌ … " اهـ.
• وقال المباركفوري في "تحفة الأحوذي" (١/ ٤٦٢) أيضًا: "واستدلالُ أبي داودَ بهذا الحديثِ على أن الأرضَ تطهُرُ بالجفافِ صحيحٌ ليسَ فيهِ عندي خدشةٌ" اهـ.
(١) زيادة من النسخة (أ).
(٢) في "البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار" (١/ ٢٦).
(٣) زيادة من النسخة (أ).