للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فجاءهُ بتمرٍ جَنيبِ) بالجيمِ المفتوحةِ، والنونِ بزنةِ عظيمٍ، يأتي بيانُ معناهُ، (فقالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: كُلُّ تمرِ خيبرَ هكذَا؟ فقالَ: لا واللهِ يا رسولَ اللهِ، إنا لنأخذُ الصاعَ منْ هذَا بالصاعينِ، والصاعين بالثلاثةِ، فقالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: لا تفعلْ، بعِ الجَمْعَ) بفتحِ الجيمِ، وسكونِ الميم، التمرُ الرديءُ، (بالدراهمِ، ثمَّ ابتعْ بالدراهمِ جنيبًا. وقالَ في الميزانِ مثلَ ذلكَ. متفقٌ عليهِ. ولمسلمٍ: وكذلكَ الميزانُ). الجنيبُ قيلَ: الطيبُ، وقيلَ: الصَّلْبُ، وقيلَ: الذي أُخْرِجَ منهُ حشفُهُ ورديئُهُ، وقيلَ: هوَ الذي لا يختلطُ بغيرِه. وقدْ فسَّر الجمعَ بما ذكرنَاه آنفًا، وفسَّر في روايةٍ لمسلمٍ (١) بأنه الخلْطُ منَ التمرِ، ومعناهُ مجموعٌ منْ أنواعٍ مختلفةٍ. والحديثُ دليلٌ على أن بيعَ الجنسِ بجنسهِ يجبُ فيهِ التساوي سواءٌ اتَّفَقَا في الجودةِ والرداءةِ أو اختلفَا، وأنَّ الكلَّ جنسٌ واحدٌ. وقولُه: وقالَ في الميزانِ مثلَ ذلكَ قالَ: فيما كانَ يوزَنَ إذا بيعَ بجنسهِ، مثلَ ما قالَ في المكيلِ [بأنه] (٢) لا يباعُ متفاضلًا، وإذا أُرِيدَ مثلُ ذلكَ بيْع بالدراهمِ، وشَرَىَ ما يرادُ بها. والإجماعُ (٣) قائم على أنهُ لا فرقَ بينَ المكيلِ والموزونِ في ذلكَ الحكْمِ. واحتجتِ الحنفيةُ (٤) بهذا الحديثِ على أن ما كانَ في زمنهِ - صلى الله عليه وسلم - مكيلًا لا يصحُّ أن يُبَاعَ ذلكَ بالوزْنِ متساويًا، بلْ لا بدَّ منِ اعتبارِ كيلِه وتساويهِ كيلًا، وكذلكَ الوزنُ. وقالَ ابنُ عبدِ البرِّ (٥): إنَّهم أجمعوا أن ما كانَ أصلهُ الوزنَ لا يصحُّ أن يباعَ بالكيلِ، بخلافِ ما كانَ أصلُه الكيلَ فإنَّ بعضَهم يجيزُ فيهِ الوزنَ، ويقولُ: إنَّ المماثلةَ تُدْرَكُ بالوزنِ في كلِّ شيءٍ، وغيرُهم يعتبرونَ الوزْنَ الكيلَ بعادةِ البلدِ، ولو خالفَ ما كانَ عليهِ في ذلكَ الوقتِ، فإنِ اختلفتِ العادةُ اعتُبِرَ بالأغلبِ، فإنِ استَوى الأمرانِ كانَ لهُ حكمُ المكيلِ إذا بيعَ بالكيلِ، وإنْ بيعَ بالوزنِ كانَ له حكمُ الموزونِ. واعلمْ أنهُ لم يذكرْ في هذهِ الروايةِ أنهُ - صلى الله عليه وسلم - أمرَ بردِّ


(١) في "صحيحه" (٩٦/ ١٥٩٤) من حديث أبي سعيد الخدري.
(٢) في (ب): "إنه".
(٣) انظر: "إجماع ابن المنذر" (ص ١١٨ رقم ٤٩٣).
(٤) انظر: "بدائع الصنائع" (٥/ ١٩٣، ١٩٤).
(٥) هذا الكلام إنما هو للحافظ في "الفتح" (٤/ ٤٠٠). وقد ساقه أثناء كلام لابن عبد البر، فوهم الشارح فنسبه لابن عبد البر، فليتنبَّه.