للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

منْ داودَ بن الحصينِ. وقدْ وقعَ الاتفاقُ بينَ الشافعي (١)، ومالكٍ (٢)، على صحتهِ فيما دونَ الخمسةِ، وامتناعُه فيما فوقَها، والخلافُ (٣) بينَهما فيها، والأقربُ تحريمُه فيها لحديثِ (٤) جابرٍ - رضي الله عنه -: "سمعتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ حينَ أَذِنَ لأصحابِ العَرَايا أنْ يبيعُوها بخرصِها يقولُ: الوِسْقُ والوسقينِ والثلاثةُ والأربعةُ"، أخرجهُ أحمدُ. وترجمَ (٥) له ابنُ حبانَ: الاحتياطُ على أنْ لا يزيدَ على أربعةِ أوسقٍ.

وأما اشتراطُ التقابضِ فَلأنَّ الترخيصَ إنَّما وقعَ في بيعِ ما ذُكِرَ معَ عدمِ تيقُّنِ التساوي فقطْ. وأما التقابضُ فلم يقعْ فيهِ ترخيصٌ فبقيَ على الأصلِ منِ اعتبارهِ، ويدلُّ لاشتراطِه ما أخرجهُ الشافعي (٦) منْ حديثِ زيدِ بن ثابتٍ: "أنهُ سمَّى رجالًا محتاجينَ منَ الأنصارِ، شَكَوْا إلى رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (٧)، ولا نَقْدَ في أيديهم يبتاعونَ بهِ رُطَبًا ويأكلونَ مَع الناسِ، وعندَهم فضولُ قوتِهم منَ التمرِ، فرخَّص لهم أنْ يبتاعُوا العَرَايا بِخَرْصِها من التمرِ" (٨). وفيهِ مأخذ لمنْ يشترطِ التقابضَ، وإلَّا لم يكنْ لِذكْرِ وجودِ التمرِ عندَهم وَجْهٌ. واعلمْ أنَّ الحديثَ وردَ في الرُّطَبِ بالتمرِ على رؤوسِ الشجرِ، وأما شراءُ الرطبِ بعدَ قطعهِ بالتمرِ فقالَ بجوازِهِ كثيرٌ منَ


(١) انظر: "الأم" (٣/ ٥٤) و "المعرفة" (٨/ ١٠٢).
(٢) انظر: "فتح الباري" (٤/ ٣٨٨).
(٣) أي أن المالكية يرون الجواز في الخمسة فما دونها، والشافعية يرون الجواز فيما دون الخمسة ولا يجوز في الخمسة.
(٤) أخرجه أحمد (١٥/ ٤٠ رقم ١٢٦ - الفتح الرباني)، والشافعي (٢/ ٧٩ بدائع المنن)، والطحاوي (٤/ ٣٠)، وابن حبان (١١/ ٣٨١ رقم ٥٠٠٨ - الإحسان)، والبيهقي (٥/ ٣١١). وقد نقل الحافظ تصحيح ابن خزيمة وابن حبان والحاكم في "الفتح" (٤/ ٣٨٩) ولم يتعقبهم.
(٥) ولفظ الترجمة (١١/ ٣٨١): ذكر الاستحباب للمرء أن يكون بيعه العرايا فيما دون خمسة أوسق ولا يجاوز به إلى أن يبلغ خمسة أوسق احتياطيًّا. وما ذكره الشارح إنما نقله عن الحافظ في "الفتح" (٤/ ٣٨٩).
(٦) أخرجه الشافعي في "الأم" (٣/ ٥٤) معلقًا قال: وقيل لمحمود بن لبيد أو قال محمود بن لبيد لرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إما زيد بن ثابت وإما غيره: ما عراياكم هذه؟ قال: فلان وفلان وسمَّى رجالًا محتاجين من الأنصار … الحديث.
وأخرجه من طريقه البيهقي في "المعرفة" (٨/ ١٠٠ رقم ١١٢٧٣).
(٧) في الرواية: "شكوا إلى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أن الرطب يأتي ولا نقد … ".
(٨) في الرواية: "بخرصها من التمر الذي في أيديهم يأكلونها رطبًا".