للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقعَ البيعُ بعدَ بُدُوِّ الصلاحِ لأنهُ مَنْهِيٌّ، [عن] (١) [بيعهِ] (٢) قبلَ بُدُوِّهِ، ويحتملُ ورودُه أي حديثُ وضعِ الجوائحِ قبلَ النَّهْي، وبدلُّ لهُ ما وقعَ في حديثِ (٣) زيدِ بن ثابتٍ أنهُ قالَ: "قدمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم المدينةَ، ونحنُ نبتاعُ الثمارَ قبلَ أنْ يبدوَ صلاحُها وسمعَ خصومةً فقالَ: ما هذا؟ فذكرَ الحديثَ، وأنهُ نَهَى عنْ بيعِها قبلَ [أنْ يبدوَ] (٤) صلاحُها"، إلا أنه أفاد معَ ذكرِ سببِ النَّهْي تاريخَ ذلكَ، فيكونُ حديثُ وضعِ الجوائحِ مُتَأَخِّرًا، فيحملُ حديثُ وضعِ الجوائحِ على البيعِ بعدَ بدوِّ الصلاحُ. وقدِ اختلفَ (٥) العلماءُ في وضعِ الجوائحِ، فذهبَ الأقلُّ إلى أن الجائحةَ إذا أصابتِ الثمرَ جميعَه أنْ يوضعَ الثَّمنُ جميعُه، وأنَّ التلفَ منْ مالِ البائعِ عملًا بظاهرِ الحديثِ. وذهبَ الأكثرُ إلى أن التلفَ منْ مالِ المشتري، وأنهُ لا وضعَ لأجلِ الجائحةِ إلَّا ندْبًا، واحتجُّوا لهُ بحديثِ (٦) أبي سعيدٍ: "أنهُ - صلى الله عليه وسلم - أمرَ النَّاسَ أنْ يتصدَّقُوا على الذي أصيبَ في ثمارهِ" وسيأتي. قالُوا: ووجْهُ تلفهِ منْ مالِ المشتري أن التخليةَ في العقدِ الصحيح بمنزلةِ القبضِ، وقدْ سلَّمهُ البائعُ للمشتري بالتخليةِ فكأنهُ قبضَهُ. وأجيبَ عنهُ بَأنَّ قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحل لكَ أنْ تأخذَ منهُ شيئًا - الحديثَ" دالٌ على التحريم، وأنهُ تلفٌ على البائعِ لقولِه: مالُ أخيكَ إذْ يدلُّ أنهُ لم يستحقَّ منهُ الثمنَ [فإنه] (٧) مالُ أخيهِ لا مالُهُ.

وحديثُ (٨) التصدُّقِ محمولٌ على الاستحبابِ بقرينةِ قولِه: لا يحلُّ لكَ، وفائدةُ الأمرِ بالتصدقِ الإرشادُ إلى الوفاءِ بغرضين: جبرُ البائعِ، وتعريضُ المشتري لمكارمِ الأخلاقِ، كما يدلُّ لهُ قولُه في آخرِ الحديثِ (٨) لما طلبُوا الوفاءَ: "ليسَ لكم إلا ذلكَ". فلو كانَ لازِمًا لأمرَهم بالنظرةِ إلى ميسرَةٍ.


(١) في (أ): "عنه".
(٢) زيادة من (ب).
(٣) سبق تخريجه أثناء شرح الحديث رقم (٣/ ٨٠٢) من كتابنا هذا، واللفظ الذي ساقه الشارح في سنن أبي داود.
(٤) في (ب): "بدوّ".
(٥) انظر: "شرح مسلم" للنووي (١٠/ ٢١٦، ٢١٧)، وانظر أيضًا: "بداية المجتهد" (٣/ ٣٦٢) بتحقيقنا.
(٦) أخرجه مسلم، وسيأتي تخريجه برقم (٣/ ٨١٧) من كتابنا هذا.
(٧) في (ب): "وإنه".
(٨) يعني حديث أبي سعيد الآنف الذكر.