للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والقول الثالث: للأوزاعي (١) والليثِ، أن المرادَ منَ الحديثَ أنهُ إذا امتنعَ الراهنُ منَ الإنفاقِ على المرهونِ، فيباحُ حينئذٍ للمرتهنِ الإنفاقُ على الحيوانِ حِفْظًا لحياتِه، وجُعِلَ لهُ في مقابلة نفقته الانتفاعُ بالركوبِ، أو شربِ اللبنِ، بشرطِ أنْ لا يزيدَ قدرُ ذلكَ أو قيمتُه على قدْر عَلَفِه، وقوَّى هذا القولَ في الشرحِ، ولا يخْفَى أنهُ تقييدٌ للحديثِ بما لم يقيِّدْه بهِ الشارعُ، وإنما قيَّدَه بالضابطِ المتصيَّدِ منَ الأدلةِ، وهوَ أنّ كلَّ عينِ لغيرهِ في يدِه بإذنِ الشرعِ فإنهُ ينفقُ عليها بنيةِ الرجوعِ على المالكِ، ولهُ أنْ يؤَجِّرها أو يتصرف في لبنِها في قيمة العلفِ، إلَّا أنهُ إذا كانَ في البلدِ حاكمٌ ولم يستأذنْه فلا رجوعَ له بما أنفقَ، وتلزمُه غرامةُ المنفعةِ واللبنٍ، فإنْ لم يكنْ في البلدِ حاكمٌ، أو كانَ الحيوانُ يتضررُ بمدةِ الرجوع إلى الحاكم، فلهُ أنْ ينفقَ ويرجعَ بما أنفقَ، إلا أنهُ قدْ يقالُ إنَّها قاعدةٌ عامةٌ فَتُخَصُّ بحديث الكتابِ.

٦/ ٨١٢ - وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا يَغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ الذي رَهنَه، لَهُ غُنْمُهُ، وَعَلَيهِ غُرْمُهُ"، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنيُّ (٢)، وَالْحَاكِمُ (٣)، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، إلا أَنَّ الْمَحْفُوظَ عنْدَ أَبي دَاوُدَ (٤) وَغَيْرِهِ إِرْسَالُهُ. [ضعيف]

(وعنهُ) أي أبي هريرةَ (قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لا يَغْلَقُ) بفتحِ حرفِ المضارعةِ، وغينٍ معجمةٍ ساكنةٍ، ولام مفتوحةٍ وقافٍ. يقالُ: غلقَ الرهن إذا خرجَ عنْ مُلْكِ الراهنِ واستَولَى عليهِ المرتهنُ بسببِ عجزْهِ عنْ أداء ما رهَنَه فيهِ، وكانَ هذا عادةَ العربِ فنهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم (الرهنُ منْ صاحبِه الذي رهَنَه. لهُ غُنْمُه)


(١) نسبه إليهما الحافظ في "الفتح" (٥/ ١٤٤).
(٢) في السنن (٣/ ٣٢ رقم ١٢٦) وقال: هذا إسناد حسن متصل.
(٣) في "المستدرك" (٢/ ٥١) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه لخلاف فيه على أصحاب الزهري، ووافقه الذهبي.
(٤) في "المراسيل" (رقم ١٨٦، ١٨٧).
قلت: وأخرجه البيهقي (٦/ ٣٩، ٤٠)، وعبد الرزاق (رقم ١٥٠٣٣، ١٥٠٣٤)، ومالك (٢/ ٧٢٨ رقم ١٣)، والطحاوي (٤/ ١٠٠، ١٠٢)، والدارقطني (٣/ ٣٣) كلهم يروونه عن ابن شهاب عن ابن المسيب مرسلًا وهو المحفوظ كما قال البيهقي، وقال ابن عبد البر في التمهيد (٦/ ٤٣٠): وهذا الحديث عند أهل العلم بالنقل مرسل وإن كان قد وصل من جهات كثيرة فإنهم يعلُّونها. والخلاصة: أن الحديث مرسل ضعيف، والله أعلم.