للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(ظلمٌ)، وبالأُولى [مطل] (١) الفقيرَ، (وإذا أُتْبِعَ) بضمِّ الهمزةِ وسكونِ المثناةِ الفوقية، وكسرِ الموحدةِ (أحدُكم على مَلِيءٍ) بالهمزةِ مأخوذٌ من الملاء، يقالُ مَلُؤَ الرجلُ أي صارَ مليئًا، (فَلْيُتْبَعْ) بإسكانِ المثناةِ الفوقيةِ أيضًا، مبنيُّ للمجهولِ كالأولِ، أي إذا أُحْيلَ فليحتلْ (متفقٌ عليهِ). دلَّ الحديثُ على تحريمِ المطل منَ الغنيِّ، والمطلُ هوَ المدافعةُ، والمرادُ هنا تأخيرُ ما استحقَّ أداؤُه بغيرِ عُذْرٍ منْ قادرٍ على الأداءِ، والمعنَى على تقديرِ أنهُ منْ إضافةِ المصدرِ إلى الفاعلِ، [أي] (٢): يحرمُ على الغنيِّ القادِرِ أنْ يمطلَ بالدَّيْنِ بعدَ استحقاقِهِ خلافِ العاجزِ، ومعناهُ على التقديرِ الثانِي أنهُ يجبُ وفاءُ الدَّيْنِ ولوْ كَانَ مستحقُّه غنيًا، فلا يكونُ غِناهُ سببًا لتأخيرِ حقِّهِ، وإذا كانَ ذلكَ في حقِّ الغنيِّ ففي حقِّ الفقيرِ أوْلَى. ودلَّ الأمرُ على وجوبِ قبولِ الإحالةِ، وحملَهُ الجمهورُ (٣) على الاستحبابِ، ولا أدري ما الحاملُ علَى صرفِه عنْ ظاهِرِهِ، [وعليه حمل] (٤) أهلُ الظاهرِ (٥). وتقدَّم (٦) البحثُ في أن المطلَ كبيرةٌ يفسقُ صاحبُه فلا نكرِّرُه، وإنما اختلفُوا هلْ يفسقُ قبلَ الطلبِ أو لا بدَّ منهُ، والذي يشعرُ به الحديثُ أنهُ لا بدَّ منَ الطلبِ، لأنَّ المُطلَ لا يكونُ إلا معَهُ، ويشملُ المطلُ كلَّ مَنْ لزمَهُ حقٌّ كالزوجِ لزوجتِهِ، والسيدِ في نفقةِ عبدِه، ودلَّ الحديثُ بمفهومِ المخالفةِ أن مُطْلَ العاجزِ عن الأداءِ لا يدخلُ في الظلمِ، ومَنْ لا يقولُ بالمفهومِ يقولُ لا يسمَّى العاجزُ ماطِلًا، والغنيُّ الغائبُ عنهُ مالُه كالمعدم، ويُؤْخَذُ منْ هذَا أن المعسِرَ لا يُطَالبُ حتَّى يوسِرَ. قال الشافعيُّ (٧): لو جازتْ مؤاخذتُه لكانَ ظالمًا، والفَرْض أنهُ ليسَ بظالمٍ لعجزِه، ويؤخذُ منهُ أنهُ إذا تعذَّرَ على المحالِ عليهِ التسليمُ لفَقْرٍ لم يكنْ للمحتالِ الرجوعُ على المحيلِ، لأنهُ لو كانَ لهُ الرجوعُ لم يكنْ لاشتراطِ الغِنَى فائدةٌ، فلمَّا شرطَه الشارعُ علمَ أنهُ انتقلَ انتقالًا لا رجوعَ لهُ كما لو عُوِّضَ في دَيْنِه بِعوَضٍ ثمَّ


(١) في (أ): "مطله".
(٢) في (ب): "أنَّه".
(٣) انظر: "فتح الباري" (٤/ ٤٦٥).
(٤) في (ب): "وعليه حملُه".
(٥) انظر: "المحلَّى" (٨/ ١٠٨ مسألة رقم ١٢٢٦).
(٦) أثناء شرح الحديث (٢/ ٨١٦) من كتابنا هذا.
(٧) انظر: "الأم" (٣/ ٢٣٣)، و"المعرفة" (٨/ ٢٨١).