للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قالَ المصنِّفُ (١): وابنُ جميل لم أقفْ على اسمِه. وقولُه: "ما ينقِم" بكسرِ القافِ، ما ينكرُ "إلَّا أنهُ كانَ فقيرًا فأغناهُ اللَّهُ"، وهوَ منْ بابِ تأكيدِ المدحِ بما يشبهُ الذمَّ، لأنهُ إذا لم يكنْ له عذرٌ إلا ما ذكرَ فلا عُذْرَ لهُ، وفيهِ التعريضُ بكفرانِ النعمة، والتقريعُ بسوءِ الصنيعِ. وقولُه: أعْتَادَهُ، جمعُ عَتَدٍ بفتحتينِ، وهوَ ما يُعِدُّهُ الرجلُ منَ السلاحِ والدوابِّ، وقيلَ: الخيلُ خاصة. وحملَ البخاريُّ معناهُ على أنهُ جَعَلَهَا زكاةَ مالهِ وصرفَها في سبيل اللَّهِ، وهوَ بناءٌ على أنهُ يجوزُ إخراجُ القيمةِ عن الزكاةِ. وقولُه: (فهي عليَّ ومثلُها معَها) يفيدُ أنهُ - صلى الله عليه وسلم - تحمَّلَها عن العباسِ تَبَرُّعًا، وفيهِ صحةُ تبرعِ الغيرِ بالزكاةِ، ونظيرُه حديثُ (٢) أبي قتادةَ في تبرعهِ بتَحَمُّلِ الدَّينِ عن الميتِ وهذا أقربُ الاحتمالاتِ. وقدْ رُوِيَ بألفاظٍ أُخَرَ تحتملُ احتمالاتٍ كثيرة بسطَها المصنفُ في الفتحِ (٣)، [ونقلهُ] (٤) الشارحُ.

وأما حديثُ (٥) أنهُ - صلى الله عليه وسلم - كانَ [تقدَّم] (٦) منهُ زكاةَ عامينِ فقدْ رُوِيَ منْ طرقٍ لم يَسْلَمْ شيءٌ منها منْ مقالٍ.

وفي الحديثِ دليلٌ على توكيلِ الإمام للعاملِ في قبض الزكاةِ، ولأجْلِ هذا ذكرهُ المصنفُ هنَا، وفيهِ أن بَعْثَ العمالِ لقبضِ الزكاةِ سُنَّةٌ نبويةٌ، وفيهِ أنهُ يذكِّرُ الغافلَ بما أنعمَ اللَّهُ عليهِ بإغنائِهِ بعدَ أنْ كانَ فقيرًا ليقومَ بحقِّ اللَّهِ. وفيه جوازُ ذِكْرِ مَنْ مَنَعَ الواجبَ في غيبتِه بما ينقصُه. وفيهِ تحملُ الإمامِ عنْ بعضِ المسلمينَ، والاعتذارُ عن البعضِ وحسنُ التأويلِ.


(١) في "فتح الباري" (٣/ ٣٣٣).
(٢) انظر تخريج الحديث رقم (٢/ ٨٢٧) من كتابنا هذا.
(٣) (٣/ ٣٣٣، ٣٣٤).
(٤) في (أ): "وتبعهُ".
(٥) أخرج البيهقي (٤/ ١١١) من حديث علي - رضي الله عنه - أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنا كنا احتجنا فأسلفنا العباس صدقة عامين". وأصله أخرجه أبو داود (١٦٢٤)، والترمذي (٦٧٨)، وابن ماجه (١٧٩٥)، وأحمد (١/ ١٤٠)، والحاكم (٣/ ٣٣٢)، وصحَّحَهُ، ووافقه الذهبي، وقد حسّنه الألباني في "صحيح ابن ماجه" (١/ ٢٩٩ رقم ١٤٥٢)، وقال الحافظ في "الفتح" (٣/ ٣٣٤): وليس ثبوت هذه القصة في تعجيل صدقة العباس ببعيد في النظر بمجموع هذه الطرق، والله أعلم. اهـ. وانظر الحديث رقم (١٠/ ٥٧٣) من كتابنا هذا.
(٦) في (ب): "قد تقدم".